منذ
عودة سيناء الى السيادة المصرية ظهرت الكثير من الأغنيات أنشدناها عن
سيناء ، فالعدد كبير، أكبر من أن نتذكره علي وجه الدقة ، وهناك الكثير من
تصريحات المسئولين عن أرض الفيروز والبوابة الشرقية لمصر، الأرقام فلكية
بدون أية مبالغة سواء فى الأغنيات التى أنشدناها أو ما تضمنته تصريحات
المسئولين من وعود وردية عن تنمية سيناء ، ولكن للأسف سيناء انتصرت عسكريا
وهزمت تنمويا 00
فبعد
تحرير سيناء من الاحتلال الإسرائيلي البغيض
كانت الآمال كبيرة والأهداف طموحه للغاية تستهدف فى
المقام الأول إزالة آثار العدوان والإهمال الذي لحق بهذه البقعة
العزيزة من أرض الوطن ، وزراعة ثلاثة مليون مواطن مصرى داخل سيناء ليتكون منهم خطا أمنيا أقوى الجيوش العسكرية ، وإقامة قواعد
صناعية وزراعية قادرة على استيعاب الآلاف من أبناء مصر
لتخفيف العبء على الشريط الضيق الذي يعيش فيه أكثر من 50 مليون مواطن
وقتها ، ووضعت لهذا الغرض العديد من الخطط التنموية البسيطة ، ونظرا لعدم
قدرتها على تحقيق الأهداف المرجوة لتنمية سيناء تم تجميعها فى مخطط واحد
اطلق عليه اسم المشروع القومى لتنمية سيناء والذى انطلق تحديدا منذ عام 1995
وكان يهدف الى تحقيق معدل نمو سكانى يتحقق بتسكين ثلاثة مليون مواطن
على ارض سيناء واقامة قاعدة زراعية وقاعدة صناعية يكون لديهما القدرة على
استيعاب عدد كبير من شباب الخريجين من مختلف المراحل التعليمية النهائية
سواء من أبناء المحافظة او من أبناء المحافظات الأخرى 00
لكن
مع عظيم الاحترام لكل هذا الذي تحقق فانه يظل بعيداً بعد
السماء عن الأرض فلم يصل اجمالى السكان بعد مرور هذه السنوات الطويلة 360
الف نسمة ، ولم تتحقق القواعد الزراعية والصناعية اللهم الا القليل خاصة
فى مجال الصناعة وهى عبارة عن عدد قليل يمكن أن نطلق عليها مجازا مصانع
رغم الإمكانيات الهائلة التى تتمتع بها سيناء والتى توجد بوفرة تفتح آفاق بلا حدود لتنمية صناعية حقيقية ، ومن هذه
الإمكانيات : كاولينا ـ رمال بيضاء ـ رمال سوداء ـ رخام ـ رصاص ـ نحاس ـ فيروز ـ
حجر جيري من نوعية ممتازة.. ومعادن نادرة ، هذا الكنز
من المواد الخام لم يجعلنا نحرك ساكناً، واكتفينا علي الأغلب الأعم
بتصوير بعض الأشياء في صورتها الخام مثل الرمال
البيضاء التي نصدرها ثم نعيد شراء المنتجات التي أصبحت الرمال البيضاء مكونها الأساسي بأضعاف مضاعفة ، بل إن هناك مواداً
لا نهتم بها أصلاً حتي في صورتها الخام ، ومن المخجل
والمحزن والمؤسف ان شيمون بيريز رئيس اسرائيل حاليا وسابقا نائب رئيس
الوزراء الإسرئيلى ، سبق له أن قال لأحد المسئولين المصريين إنهم يبذلون
جهداً في إسرائيل لاستخراج النحاس من عمق ثلاثين متراً تحت الأرض بينما تؤكد
معلوماتهم أن النحاس موجود علي السطح في وادي جبل حلال بسيناء ولا نفعل
به شيئاً00
إذن..
لا يمكن القول بأنه تم تنفيذ المشروع القومي لتنمية
سيناء، فنحن لم نحقق شيئاً يعتد به من أهدافه الأساسية بدليل أن سدس مساحة
مصر لا يقطنه سوى عدد قليل من السكان لا يتناسب مع هذه المساحة الخالية
، وهذا العدد البسيط من السكان محروم من الكثير من الخدمات الضرورية ،
والنتيجة الطبيعية لهذا الإهمال لا تبعث علي الارتياح ، وهذا الفراغ
الجغرافي والسكاني يغري بالغزو والعدوان ، خاصة اذا
كان يقابله ضغط وكثافة من احد جوانبه وهذا هو القانون الطبيعي الذى يعرف باسم 'الأواني المستطرقة' ومعناه أن الأجزاء
المضغوطة من أي جسم تؤدي للانفجار في المناطق غير المضغوطة
منه ، ومن هذا المفهوم يتبين لنا مفارقة غريية فمنطقة
الحدود الشرقية لسيناء تمثل منطقة ضغط سواء من قطاع غزة أو من
صحراء النقب يقابلها من ناحيتها الغربية فراغ مهول في سيناء ، وفي نفس الوقت هناك ضغط سكاني رهيب وتكدس مرعب في وادي النيل
والدلتا ومع ذلك لم نفكر في تسريبه لسيناء 00
إن
جميع الاعتبارات توجب الإسراع بتعمير سيناء وجعلها مأهولة بالسكان عن
طريق :
• استغلال كافة الإمكانيات
المتاحة خاصة وإننا نمتلك كل عوامل الإنتاج سواء من موارد طبيعية أو
بشرية أو تنظيمية وادارية حتى رأس المال اللازم يمكن تدبيره من مصادر مختلفة00
• يمكن الاستعانة بسكان الوسط من البدو عن
طريق تجميعهم وتدريبهم علي مهارات تحويلية تخدم
الأنشطة الاقتصادية التي ستتم في سيناء باعتبارهم قوي بشرية ووطنية عظيمة في شبه
الجزيرة حيث ان هناك اكثر من 18 قبيلة وعائلة وعشيرة كبري تسكن سيناء قدم
اهلها الكثير لمصر في المعارك والحروب منها قبائل الترابين والحيوات ،
والتياها والعبابدة والحويطات والدواغرة
بلي والعليقات وبدارة ، وقد حان الوقت لدمجهم ايضا في معارك التنمية 00
• الإستعانة بسكان سيناء وإعطائهم الأولوية
فى مشروعات التنمية سواء الزراعية أو الصناعية 00
• التركيز على ضرورة مشاركة القطاع الخاص بإنشاء مدن سكنية ومصانع وورش علي الحدود في
سيناء وإرسال الشباب بعد إنهاء فترة الخدمة العسكرية
للعمل هناك مع تحفيزهم علي ذلك بتوفير حياة كريمة ومستمرة وتوفير فرص
عمل لهم بشرط ان يكونوا مؤهلين بدنيا حتي يصبحوا درعا واقية لحدود مصر في
سيناء خاصة فى مناطق الشيخ زويد ورفح00
• التوسع
في الاراضي الزراعية في جميع المناطق بسيناء لتكون تنمية شاملة
تهدف لحماية الامن القومي المصري..
• تقديم كافة التسهيلات لرأس
المال الوطني ورفض توجيه أية استثمارات اجنبية في سيناء اذ لا بد ان
تقوم تنمية سيناء برأس مال وطني باعتبارها صناعة تخص الأمن القومي المصري قبل ان تكون مجرد تنمية بشرية كما انه ليس من المعقول
ان يسمح لشركات أجنبية بالاستثمار في سيناء لأنها
منطقة حدودية لها وضعها الخاص والسماح لشركات القطاع الخاص المصرية
بالاستثمار في سيناء بشرط اجراء تحريات امنية دقيقة عليها ومعرفة مصادر
تمويلها وهويتها ووعلى الحكومة تشجيع القطاع الخاص علي الاستثمار في
سيناء ومنحهم مزايا تشجعهم علي ذلك بجميع الوسائل الممكنة أهمها الاعفاء الضريبي
، وطرح الأراضي بأسعار زهيدة علي ان يقوم المستثمر بتوصيل المرافق لها
، وان تشارك الدولة في تلك المشروعات عن طريق طرح الاراضي بنظامي حق
الانتفاع او حق الاستغلال لمدد معينة او ان يتم ذلك عن طريق الاكتتاب
العام00
• لابد من تصميم خريطة استثمارية جديدة لسيناء ترتكز علي التخصص الانتاجي نظرا لكون
سيناء تتمتع بموارد تعدينية كبيرة مثل الجبس وخامات
الاسمنت والرخام والرمل الاسود ورمل الزجاج، بالاضافة الي الموارد الاخري
كالأراضي القابلة للزراعة والامكانات السياحية الطبيعية00
• الإسراع في استكمال مشروعات البنية الاساسية خاصة الطرق والكهرباء ومد الغاز الطبيعي وغيرها من المرافق
التي من شأنها جذب الاستثمار الخاص الوطني لإنشاء
مشروعات علي اراضي سيناء وتيسير حصول المستثمرين المصريين علي الاراضي في
المناطق الصناعية لها ، وضرورة اعفاء المعدات والآلات التي تدخل سيناء من جميع
انواع الرسوم والضرائب والجمارك حتي تشجع المستثمرين المصريين علي التوجه
إلي سيناء والابتعاد عن التمويل الاجنبي.
وفى
جميع الأحوال ولكى تتحقيق تنمية حقيقية فى سيناء والإبتعاد
عن التصريحات والوعود الوردية البعيدة عن ارض الواقع يجب :
1. العمل
على إعداد خطة تنموية اجتماعية واقتصادية شاملة من أجل وسط سيناء بالتشاور مع قادة المجتمع المحلي ومع القطاع الخاص والمانحين.
وعلى هذه الخطة أن:
• تتعامل مع المنطقة ككلٍّ واحد00
• تأخذ باعتبارها الأبعاد
الاجتماعية ـ الاقتصادية لسكان المنطقة 00
• تلغي جميع التدابير والمعايير
التي تمارس التمييز بحق السكان المحليين.
2.
تشجيع مشاركة المجتمعات المحلية وممثليها السياسيين الحقيقيين في صنع
القرار التنموي الخاص بسيناء00
3. تسهيل
وتشجيع بناء القدرات المحلية (كالجمعيات المحلية مثلاً)،
وذلك عن طريق تبسيط الأنظمة الإدارية والسياسية وتوجيه القروض والمنح الحكومية لصالح تزويد هذه الجمعيات بما يلزمها00
4.
تزويد المجتمعات
البدوية بأدوات صياغة المشاريع التنموية المحلية وتنفيذها، وخاصةً من
خلال تنظيم دورات تدريبية؛
5. 5.
الاعتراف
بالهوية الثقافية واللغوية المتميزة لسيناء بصفتها جزءاً
من التراث القومي، وتمويل مشاريع تعمل على حفظها.
إن
تنمية سيناء ليست مجرد تنمية اقتصادية أو بشرية أو اجتماعية
لكنها يجب أن تتخطي كل ذلك إلي ان تصبح سيناء 'كنز الكنوز' ودرة العين التي أرقنا من اجلها الدماء أن تصبح مأهولة بالمصريين
من ابناء الشهداء وأهاليهم بالوادي القديم اذ لابد
من زراعة سيناء بالبشر من خلال خلق مجتمعات عمرانية وقري صغيرة حول تلك
المحاور الصحراوية وخاصة بمنطقة الوسط بحيث نجذب إليها الشباب الذي
يستطيع تكوين اسر صغيرة وبالتالي يزداد عدد السكان باطراد من خلال خلق فرص العمل
والمشروعات الصغيرة في تلك الأماكن 00
صلاح
مصطفى على بيومى
مدير
ادارة تنسيق وظائف التعليم الفنى
مديرية
التربية والتعليم بشمال سيناء