الفوضى كلمة معاكسة للتنظيم والترتيب ، والفوضى في الحياة تعني عدم التمتع بحس النظام والقدرة على التغلب على مشكلات الحياة بصورة تجعل الحياة لا تطاق أحياناً وهى مفهوم أو واقع يعاني منه كثير من الناس، سواء كانوا من الرجال أو النساء ، كما انها مرض ينبغي علينا التخلص منه فوراً لما يسببه من مشكلات في حياتنا ، وهى كل سلوك أو ممارسة أو مشاعر يمارسها البشر بشكلٍ فجائي غير منضبط ومضاد للقوانين واللوائح والقيم المتعارف عليها فى المجتمع ، وبطرق عبثية وخادعة تصبح بمرور الوقت هى البديل عن القوانين الرسمية والبديل أيضاً عن القواعد الاجتماعية المتعارف عليها ، بمعنى آخر تصبح نمط حياة يومي نمارسه ليل نهار، بدون أن نقف عنده أو يلفت حتى أنظارنا اليها ، فالتصريحات السياسية العبثية التي تتحدث ليل نهار عن الواقع المعيشى بلغة بعيدة تماماً عما يحدث على أرض الواقع والحديث عن الازدهار الاقتصادي ليل نهار في واقع تصل فيه معدلات الفقر لمستويات غير مسبوقة وغيرها من الممارسات اليومية العبثية سواء على المستوى الرسمى او الشعبى كلها فوضى تصب في مجال الممارسات الاجتماعية بيننا 00
ومن اهم سمات الفوضى بالاتي :
1. إنها تشتمل فئات عديدة من فئات المجتمع من ناحية ، والحجم المتعاظم لآثارها السلبية المرتبطة بها من ناحية أخرى ، حيث تتشعب دائرتها وتغزو كافة مؤسسات الحياة بدءا من الأسرة مروراً بالعمل وانتهاء بالشارع ، وهذا التوسع والتشعب الكبير في الممارسات والسلوكيات الفوضوية تكون الفوضى أكثر خطورة وتأثيراً على كافة المستويات المجتمعية الأخرى 00
2. ترتبط الفوضى ببنية فساد واسعة ، فالفساد هو التربة الخصبة التي تنمو من خلالها الفوضى وتتوغل فى جذور المجتمع ، وبهذا تصبح الفوضى أكثر تحديا للمجتمع بالكامل بكافة مؤسساته وقوانينه المتعارف عليها وخروجاً عليها ، فحينما يفعل كل فرد ما يراه مناسباً له بغض النظر عن أضراره الاجتماعية يصبح المجتمع ساحة للممارسات التي تضرب بالقوانين والأعراف الاجتماعية عرض الحائط ، وتزداد الفوضى في رحاب الفساد ، وتجد لنفسها مأوى رحباً وسياقاً متسعاً من الاستمرارية والاستقرار والتراكم وتنتقل كالعدوى من سياق لآخر ومن مؤسسة لأخرى ومن منطقة لأخرى ومن شارع لآخر لتصبح هى السياق العام الذي يعيش الجميع فيه وفى رحابة يتعاملون مع بعضهم البعض 00
3. تكمن خطورة الفوضى فى أنها تستطيع أن تؤسس لنفسها سياقاً بنيويا مجتمعيا يعطيها القدرة على فرض آلياتها من ناحية وتحقيق قبول واسع المدى بها من ناحية أخرى وتصبح الفوضى شيئاً عادياً في حياة البشر، شيئاً من صميم حياتهم اليومية ، لا يلفت أنظارهم ، ولا يستدعي منهم النقاش والجدل ، ولا حتى المقاومة.
4. تشكل لنفسها قواعدها الخفية الصارمة التي تفرضها على أفراد المجتمع بكل فئاته ، بحيث تصبح هذه القواعد مقبولة بل ومستحبة00
5. لها القدرة على التنوع والتشكيل وإعادة التشكيل وفقا للمجال الذى توجد فيه ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والتعليمية والصحية ) حتى استطاعت أن تؤسس قواعد راسخة لها ، وتجتذب المزيد والمزيد من الأتباع والمريدين والممارسين00
6. هى منتج رديء لمنظومة التسلط والاستبداد : وهذه المنظومة تعنى التحكم المطلق فى مقاليد الأمور بحجة انه مضاد للفوضى أو الخوف منها وان التحكم المطلق فى مقاليد الأمور هو الطريق السليم لوقف الفوضى بالرغم أن الاستبداد هو السبب فى خلق الفوضى الشاملة والتى يمكن رؤية مظاهرها السائدة في الحياة العادية بالعين المجردة ، فهى تضرب كل إرجاء المجتمع وبصورة هائلة بكل مقياس ، كما انه يتعايش مع الفوضى الحقيقية فهو يقوم ويعيش على إهدار معنى القانون والتنازل عن المتطلبات الضرورية لبناء المجتمع أو الحفاظ على نظم عمل وظيفية فعالة ويساهم فى إشاعتها من أجل الحصول على مزايا خاصة خارج إطار القانون ، بصفة عامة هو قمة الفوضى التي تنخر جسد المجتمع وذلك للعلاقة والارتباط الوثيق بينهما والذى يتجلى فى الجوانب التالية :
في ظل الاستبداد تكمن أعمق مظاهر الفوضى ، فمهما كان هذا الشخص وطنيا وحكيما ومنظما ، وحاسما في قراراته ، وحريصا على النظام ، ولن يستطيع أن يحول دون تسلل الفوضى ونشأة مجموعة من المنتفعين ومستشاري السوء الذين يزوّرون كل شيء ويقلبون الحقائق .
الاستبداد حالة من الاعتداء على القانون ، هي سلسلة من التجاوزات والاستثناءات التي لا تنتهي .. وتشكل هذه التجاوزات والاستثناءات التى تمثل بوابة عريضة للدخول إلى فضاء الفوضى والتخبط وغياب الضمانات القانونية الاجتماعية في أي مجال من المجالات ، فحين تسود المحسوبية والوساطة لا يستطيع كل فرد أن يؤمن أنه إذا اجتهد في دراسته ، وتفوق في تحصيله العلمي وأخلص لاختصاصه سيجني ثمار اجتهاده وتعبه وحين تتفشى الرشاوى لن يستطيع صاحب حق أن يؤمن أن هناك نظاما يمكن أن يسلكه كي يصل إلى حقه ولن يكون هناك عدالة توزيع الفرص ، ولن يكون هناك أفق للعمل في الوطن بجد وإخلاص لأن الوطن أصبح هو الفوضى عينها00
الاستبداد موطن وملاذ الفوضويون : وذلك لأنه يعتمد على الولاء المطلق والذى تغيب فيه روح النقاش والتفاعل الحي مع مستجدات العصر وتطورات الحياة ، يتحول نهر الولاء الذي نحتاجه في البناء إلى مستنقع فاسد تولد فيه مصالح جديدة وغير مشروعة ويختفى فيه عناصر الخبرة والكفاءة وتصبح الفوضى هي عنوان آلية العمل في معظم المؤسسات ، فلا شيء يمنع وزيرا أو محافظا او مديرا عاما او نائبا برلمانيا او اى من يشغل منصب مهم ويتسم بالقبلية والعنصرية ، أن يلتمس أقرباءه وأصدقائه في مواقع مسؤولية هامة ، ما دامت سمعتهم في قضية الولاء لا غبار عليها ، إن لم يكونوا قد قطعوا شوطا كبيرا في التملق والهتافات والتصفيق وهم في مواقعهم لا يخضعون لنظام خبرة وإذا حدث في غفلة من موقع شاغر أن تسلل شخص خبير ، يدرك مهماته في الموقع الذي يشغله ، فإنه سيذوق الأمريّن مع أمثال هؤلاء ، وفي ظل هذا النوع من الفوضى ، يغدو كل خطأ تقني أو فني أو علمي لا قيمة له إذا لم يقترن بمدلول سياسي أو سلطوي يمكن أن يخلع مسئول من على كرسيه ويتم اتهام الذين يتحدثون عن أخطاء الجهل وسوء الإدارة والاستهتار بقواعد الخبرة والحرفية فوضويون ، يريدون أن ينالوا من سمعة وطن مزدهر ونظام مستقر ومتماسك وثابت00
الإستبداد يضمن استمرارية الفوضى ومؤيديها : فهو يحمي المخالفات والتجاوزات ومرتكبيها من محاسبة القانون فلا ضمانات حقيقية لمعاقبة المسيء ولا ضمانات لمكافأة الوطني المخلص ولا ضمانات لحرية الرأي ولا ضمانات للعمل ولا ضمانات للذين يعملون بكفاءتهم أنهم إذا أخلصوا ، ففي غفلة من قانون وتقاليد مؤسسات قد تجد مرؤوسك المرتشي الفاسد الذي تطالب من المسئولين معاقبته بعد أن تكتشف فساده ، قد تجده مديرا لك بين ليلة وضحاها ، يستطيع أن يجبرك بقوة القانون إما أن تكون مثله أو أن تكون لا شيء في مؤسستك وفي بلدك00
الإستبداد من مصادر تقنين الفوضى : اذا تبتكر فيه إجراءات للفوضى التي لا يحق الإعتراض عليها فيتم قوننة القمع وقوننة الاستثناءات وقوننة التعسف وقوننة مصادرة الحق في التعبير وحرية الرأي ، وفى النهاية يتم توجيه الاتهامات للمخلصين بالفوضوية وانهم مصدر تشويش على مسيرة النهوض بالعمل وبالاعتداء على حرمة القانون00
الاستبداد ينتج الإدارة الفوضوية : ومن اهم سماتها :
1. تهتم بإنجاز العمل بالحد الذي يضمن بقاءها وفي نفس الوقت يضمن عدم وقوعها تحت طائلة المسئولية ، ورغم أن من يستخدمها هم شخصيات ضعيفة الا أنهم يمتلكون موهبة فذة تضمن لنفسها البقاء والاستمرار 000
2. الخلط فى المهام : حيث لا تحدد المهام حتى تضيع المسئوليات بين جميع العاملين وعندما تضيع المسئوليات يصعب على الإدارات العليا والجهات الرقابية محاسبة جميع موظفين الإدارة00
3. الكذب والخداع : حيث يتم فيها الاعتماد على التوجيهات الشفوية أكثر من المكتوبة وهى توجيهات يصعب حفظها حرفيا من مصدرها وسريعة النسيان من متلقيها ويمكن تفسيرها بأكثر من تفسير، ويمكن للمدير الفوضوي أن ينكر أنه أصدر هذا التوجيه أو أنك لم تحفظ ما قاله لك تماما أو يقول لك لم أقصد كذا بل قصدت كذا 00
4. الهروب من المسئولية : إداريا التوقيع أكبر دليل إدانة ، لذلك يعمد المدير الفوضوي إلى تجنب هذا الأمر قدر الإمكان فتجده عندما تعرض له مشكلة يحاول أن يؤخر اتخاذ أي إجراء نحوها لأطول فترة ممكنة،وذلك على أمل أن تحل من تلقاء نفسها أو أن تضيع في زحمة المعاملات ، وإن كان مضطرا للتوقيع أو الشرح فلابد من أن يجر معه أكبر قدر من الموظفين من خلال ما يعرف بالتأشيرات الجانبية،وذلك حتى يستطيع أن يتملص من المسئولية بإدعاء أنها غلطة الآخرين00
5. عدم وجود معايير مقننه لتقييم الموظفين : حيث يتم التقييم من خلال عدم وجود معايير منشورة وواضحة ، بحيث يقع الموظف تحت رحمة المدير الفوضوي الذي يعاقب من يحاول ترتيب كل فوضى يحدثها بحصوله على أدنى درجات التقييم 00
إننا نعاني من حالة فوضى فى مجتمعنا مستفحلة فى كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وفى تركيبته الشخصية وأنماط سلوكياته نتج عنها حالة اغتراب مستعصية تتجلى في تبعيته الاقتصادية والسياسية والثقافية ، وأصبح المجتمع عاجز يعاني من التخّلف من نوع آخر وهو عدم شعور الإنسان بمسؤولياته تجاه الآخرين لدرجة البلادة في التفكير والسلوك معا وتصبح الأمور المستهجنة أمرا عاديا لدية او لا تثير استغرابه ويعده من الأفعال غير المثيرة للقرف او الاشمئزاز، إضافة إلى انتشار ظاهرة الاتكال والتهرب من المسؤولية والتى تبدأ من المحيط الأسري ثم المدرسي ثم الشارع لتشيع منظومة سلوك عشوائية لا يمكن القضاء عليها ، وفوق كل ذلك عدم الحزم في تطبيق القانون حيث إن القانون يصبح مُخترقا بالواسطة وتغليب المصالح الشخصية ، فضلاً عن التساهل في تطبيقه على الجميع بشكل عادل وتسود قناعة لدى الأفراد أن القانون وضع لكي يخدم مصالح معينة والقانون نفسه ليس عادلاً بما يقنع الناس بأهميته ، فضلاً عن مزاجية السلطة في تطبيقه بدليل كثرة الاستثناءات وأن الموقع السلطوي في المجتمع يصبح أقوى من القانون 00
لقد أصبحت ثقافة الفوضى هى المسيطرة والمتحكمة ومعها يصبح كل شيء ممكناً ، وتختلط الأمور ويكون السير دائما عكس الاتجاه ، ويضيع التاريخ ويصبح الحاضر رهينة ويتسرب المستقبل ويخبو الأمل في صنع غدٍ أفضل ، وتصبح أبسط الحقوق أحلاماً يصعب علينا تحقيقها وتكون مطلباً بعيد المنال أو تدخل في باب المحال ويستوي المخطئ والمصيب ، ويستسيغ الجميع فكرة الجهل والإهمال والتسيب وفن المراوغة والخداع والتلاعب ويضيع مفهوم الانتماء الحقيقي للوطن ، وتحدث حالة من الانكسار للمواطن تحت وطأة الظروف المعيشية القاسية وصلف السلطات وتعنت الهيئات الحكومية وانتشار الفساد بمختلف صوره وأشكاله00
لقد تمكنت الفوضى من أسلوب حياة المجتمع فانتشر الزنا وجرائم الدعارة والزواج العرفى بين طلاب المدارس والجامعات وسادت ثقافات العلاقات الغير مشروعة وانتشرت ثقافة العرى والابتذال فى كل مكان وأصبح المجتمع يتقبل كل الأفكار الشاذة الجديدة فى ظل عولمة فاجرة تريد أن تعمم الفوضى تحت شعار حرية التعبير ستاراً من أجل تمرير مخططاتها الجديدة كل ذلك من أجل تحقيق مصالح ضيقة ، باختصار تترك الفوضى اثارها السلبية التى يمكن اجمالها فى النقاط التالية :
1. تداخل المصالح الخاصة مع المصلحة العامة وتغلغل أصحاب النفوذ في توجيه الموارد العامة واستغلالها لمصالح خاصة.
2. شخصنة السلطة وعدم الفصل بين العام والخاص وشخصنة الإصلاح00
3. الجمع بين الوظيفة العامة والأعمال الخاصة حيث ان هناك مسئولون بالدولة يمارسون اعمالهم الخاصة احيانا بأنفسهم أو من خلال أقربائهم 00
4. غياب المعايير في اختيار القيادات الإدارية00
5. انتشار ثقافة الفساد وآلياته والقيم التي تتسامح مع الفساد وغياب أي دور تربوى واعلامى فى مقاومته 00
6. نقص شفافية المعلومات وعمليات صنع القرار، فلا وجود لقانون ينظم ويؤكد حرية المعلومات.
7. إهدار المال العام وضعف في تحصيل موارد الدولة ، استغلال القطاع الخاص لثغرات قانون أملاك الدولة والأنظمة المتعلقة بالمناقصات والمزايدات العامة.
8. ضبط المجتمع المدني باستمرار ومحاولة الهيمنة عليه والتدخل بشئونه.
9. ضعف مفهوم المواطنة وقيام الدولة على كسب العصبيات والو لاءات الطائفية والقبلية حتى صارت الانتماءات إلى الأسرة والقبيلة والطائفة مقدمة على الوطن .
10. ضعف المؤسسات الخدماتية حيث أن الخدمة متواضعة في أكثر من قطاع بسبب انتشار الفساد الإداري والرشوة بشكل كبير، وغياب المحاسبة وضعف الرقابة00
11. تضخم الجهاز البيروقراطي وترهل الإدارة وانخفاض الإنتاجية00
12. غياب المؤسسات الرقابية مثل هيئة الرقابة الإدارية 00
13. عدم محاسبة الفاسدين الكبار بشكل خاص حتى تطاول عامة الناس على هيبة الدولة والقانون00
14. انتشار فهم خاطئ بين افراد المجتمع في مسألة توزيع الثروة ، وعدم مواجهة هذا الفهم وحله حلا جذريا مقنعا بالمشاركة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية00
15. ضعف القوانين ونظام القضاء والخدمات المتعلقة به من ردع الفساد وأسبابه وأشخاصه00
بالفوضى اما ان يموت هذا الوطن بسببها أو يتم تطهيره منها بجراحات مؤلمة وبجرعات من الكيماوي المنهكة ، مهما كانت تكلفتها ومهما طالت من الأشخاص أو أصحاب النفوذ ومهما كانت المقاومة التي ستلقاها ولا نقبل ان يصعد على آلام الوطن ومصابه البطولات الوهمية من هم شركاء فى جريمة الفوضى بحق الوطن ، ولا نقبل بكلمات المواساة والتعاطف التي يسديها المسئولون ما لم يتم تطهير جسد الوطن ، فقد آن الأوان للضرب بيد من حديد وتشكيل لجان تحقيق تصل إلى جميع أشخاص الفوضى ومظاهرها00
اننا فى حاجة ماسة الى قراراً شجاعاً تاريخياً يقول لا للوساطة ومن يقم بذلك فسنتخذ ضده إجراءات دستورية وقانونية فورية ، لا تعيينات لغير الكفاءة بالمؤهلات والخبرة الحقيقية ، لا علاج في الخارج الا بمرض حقيقي وتقرير دقيق ، لا مقبولين بالوظائف الهامة إلا بشروط الكفاءة والقدرة ، لا شخص يوضع بموقع المسؤولية لأنه ابن فلان أو بواسطة المسئول علان أو لإرضاءات فئوية أو طائفة أو قبلية لا تساهل مع شهادات تشترى من جامعات مغمورة ويتم اعتمادها ، لا وزراء بلا كفاءة وأهلية ، كما يطالب بتفتح ملفات الفوضى التي استشرت في جسد البلد مثل انتشار مرض السرطان الفتاك فى ظل تواجد مرتكبيها ومؤيديها بدلا من التنقيب عنها بعد الخروج من الخدمة او تدفن لوفاة المسئول عنها 00
صلاح مصطفى على بيومى
مدير ادارة تنسيق وظائف التعليم الفنى
مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء
ومن اهم سمات الفوضى بالاتي :
1. إنها تشتمل فئات عديدة من فئات المجتمع من ناحية ، والحجم المتعاظم لآثارها السلبية المرتبطة بها من ناحية أخرى ، حيث تتشعب دائرتها وتغزو كافة مؤسسات الحياة بدءا من الأسرة مروراً بالعمل وانتهاء بالشارع ، وهذا التوسع والتشعب الكبير في الممارسات والسلوكيات الفوضوية تكون الفوضى أكثر خطورة وتأثيراً على كافة المستويات المجتمعية الأخرى 00
2. ترتبط الفوضى ببنية فساد واسعة ، فالفساد هو التربة الخصبة التي تنمو من خلالها الفوضى وتتوغل فى جذور المجتمع ، وبهذا تصبح الفوضى أكثر تحديا للمجتمع بالكامل بكافة مؤسساته وقوانينه المتعارف عليها وخروجاً عليها ، فحينما يفعل كل فرد ما يراه مناسباً له بغض النظر عن أضراره الاجتماعية يصبح المجتمع ساحة للممارسات التي تضرب بالقوانين والأعراف الاجتماعية عرض الحائط ، وتزداد الفوضى في رحاب الفساد ، وتجد لنفسها مأوى رحباً وسياقاً متسعاً من الاستمرارية والاستقرار والتراكم وتنتقل كالعدوى من سياق لآخر ومن مؤسسة لأخرى ومن منطقة لأخرى ومن شارع لآخر لتصبح هى السياق العام الذي يعيش الجميع فيه وفى رحابة يتعاملون مع بعضهم البعض 00
3. تكمن خطورة الفوضى فى أنها تستطيع أن تؤسس لنفسها سياقاً بنيويا مجتمعيا يعطيها القدرة على فرض آلياتها من ناحية وتحقيق قبول واسع المدى بها من ناحية أخرى وتصبح الفوضى شيئاً عادياً في حياة البشر، شيئاً من صميم حياتهم اليومية ، لا يلفت أنظارهم ، ولا يستدعي منهم النقاش والجدل ، ولا حتى المقاومة.
4. تشكل لنفسها قواعدها الخفية الصارمة التي تفرضها على أفراد المجتمع بكل فئاته ، بحيث تصبح هذه القواعد مقبولة بل ومستحبة00
5. لها القدرة على التنوع والتشكيل وإعادة التشكيل وفقا للمجال الذى توجد فيه ( السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدينية والتعليمية والصحية ) حتى استطاعت أن تؤسس قواعد راسخة لها ، وتجتذب المزيد والمزيد من الأتباع والمريدين والممارسين00
6. هى منتج رديء لمنظومة التسلط والاستبداد : وهذه المنظومة تعنى التحكم المطلق فى مقاليد الأمور بحجة انه مضاد للفوضى أو الخوف منها وان التحكم المطلق فى مقاليد الأمور هو الطريق السليم لوقف الفوضى بالرغم أن الاستبداد هو السبب فى خلق الفوضى الشاملة والتى يمكن رؤية مظاهرها السائدة في الحياة العادية بالعين المجردة ، فهى تضرب كل إرجاء المجتمع وبصورة هائلة بكل مقياس ، كما انه يتعايش مع الفوضى الحقيقية فهو يقوم ويعيش على إهدار معنى القانون والتنازل عن المتطلبات الضرورية لبناء المجتمع أو الحفاظ على نظم عمل وظيفية فعالة ويساهم فى إشاعتها من أجل الحصول على مزايا خاصة خارج إطار القانون ، بصفة عامة هو قمة الفوضى التي تنخر جسد المجتمع وذلك للعلاقة والارتباط الوثيق بينهما والذى يتجلى فى الجوانب التالية :
في ظل الاستبداد تكمن أعمق مظاهر الفوضى ، فمهما كان هذا الشخص وطنيا وحكيما ومنظما ، وحاسما في قراراته ، وحريصا على النظام ، ولن يستطيع أن يحول دون تسلل الفوضى ونشأة مجموعة من المنتفعين ومستشاري السوء الذين يزوّرون كل شيء ويقلبون الحقائق .
الاستبداد حالة من الاعتداء على القانون ، هي سلسلة من التجاوزات والاستثناءات التي لا تنتهي .. وتشكل هذه التجاوزات والاستثناءات التى تمثل بوابة عريضة للدخول إلى فضاء الفوضى والتخبط وغياب الضمانات القانونية الاجتماعية في أي مجال من المجالات ، فحين تسود المحسوبية والوساطة لا يستطيع كل فرد أن يؤمن أنه إذا اجتهد في دراسته ، وتفوق في تحصيله العلمي وأخلص لاختصاصه سيجني ثمار اجتهاده وتعبه وحين تتفشى الرشاوى لن يستطيع صاحب حق أن يؤمن أن هناك نظاما يمكن أن يسلكه كي يصل إلى حقه ولن يكون هناك عدالة توزيع الفرص ، ولن يكون هناك أفق للعمل في الوطن بجد وإخلاص لأن الوطن أصبح هو الفوضى عينها00
الاستبداد موطن وملاذ الفوضويون : وذلك لأنه يعتمد على الولاء المطلق والذى تغيب فيه روح النقاش والتفاعل الحي مع مستجدات العصر وتطورات الحياة ، يتحول نهر الولاء الذي نحتاجه في البناء إلى مستنقع فاسد تولد فيه مصالح جديدة وغير مشروعة ويختفى فيه عناصر الخبرة والكفاءة وتصبح الفوضى هي عنوان آلية العمل في معظم المؤسسات ، فلا شيء يمنع وزيرا أو محافظا او مديرا عاما او نائبا برلمانيا او اى من يشغل منصب مهم ويتسم بالقبلية والعنصرية ، أن يلتمس أقرباءه وأصدقائه في مواقع مسؤولية هامة ، ما دامت سمعتهم في قضية الولاء لا غبار عليها ، إن لم يكونوا قد قطعوا شوطا كبيرا في التملق والهتافات والتصفيق وهم في مواقعهم لا يخضعون لنظام خبرة وإذا حدث في غفلة من موقع شاغر أن تسلل شخص خبير ، يدرك مهماته في الموقع الذي يشغله ، فإنه سيذوق الأمريّن مع أمثال هؤلاء ، وفي ظل هذا النوع من الفوضى ، يغدو كل خطأ تقني أو فني أو علمي لا قيمة له إذا لم يقترن بمدلول سياسي أو سلطوي يمكن أن يخلع مسئول من على كرسيه ويتم اتهام الذين يتحدثون عن أخطاء الجهل وسوء الإدارة والاستهتار بقواعد الخبرة والحرفية فوضويون ، يريدون أن ينالوا من سمعة وطن مزدهر ونظام مستقر ومتماسك وثابت00
الإستبداد يضمن استمرارية الفوضى ومؤيديها : فهو يحمي المخالفات والتجاوزات ومرتكبيها من محاسبة القانون فلا ضمانات حقيقية لمعاقبة المسيء ولا ضمانات لمكافأة الوطني المخلص ولا ضمانات لحرية الرأي ولا ضمانات للعمل ولا ضمانات للذين يعملون بكفاءتهم أنهم إذا أخلصوا ، ففي غفلة من قانون وتقاليد مؤسسات قد تجد مرؤوسك المرتشي الفاسد الذي تطالب من المسئولين معاقبته بعد أن تكتشف فساده ، قد تجده مديرا لك بين ليلة وضحاها ، يستطيع أن يجبرك بقوة القانون إما أن تكون مثله أو أن تكون لا شيء في مؤسستك وفي بلدك00
الإستبداد من مصادر تقنين الفوضى : اذا تبتكر فيه إجراءات للفوضى التي لا يحق الإعتراض عليها فيتم قوننة القمع وقوننة الاستثناءات وقوننة التعسف وقوننة مصادرة الحق في التعبير وحرية الرأي ، وفى النهاية يتم توجيه الاتهامات للمخلصين بالفوضوية وانهم مصدر تشويش على مسيرة النهوض بالعمل وبالاعتداء على حرمة القانون00
الاستبداد ينتج الإدارة الفوضوية : ومن اهم سماتها :
1. تهتم بإنجاز العمل بالحد الذي يضمن بقاءها وفي نفس الوقت يضمن عدم وقوعها تحت طائلة المسئولية ، ورغم أن من يستخدمها هم شخصيات ضعيفة الا أنهم يمتلكون موهبة فذة تضمن لنفسها البقاء والاستمرار 000
2. الخلط فى المهام : حيث لا تحدد المهام حتى تضيع المسئوليات بين جميع العاملين وعندما تضيع المسئوليات يصعب على الإدارات العليا والجهات الرقابية محاسبة جميع موظفين الإدارة00
3. الكذب والخداع : حيث يتم فيها الاعتماد على التوجيهات الشفوية أكثر من المكتوبة وهى توجيهات يصعب حفظها حرفيا من مصدرها وسريعة النسيان من متلقيها ويمكن تفسيرها بأكثر من تفسير، ويمكن للمدير الفوضوي أن ينكر أنه أصدر هذا التوجيه أو أنك لم تحفظ ما قاله لك تماما أو يقول لك لم أقصد كذا بل قصدت كذا 00
4. الهروب من المسئولية : إداريا التوقيع أكبر دليل إدانة ، لذلك يعمد المدير الفوضوي إلى تجنب هذا الأمر قدر الإمكان فتجده عندما تعرض له مشكلة يحاول أن يؤخر اتخاذ أي إجراء نحوها لأطول فترة ممكنة،وذلك على أمل أن تحل من تلقاء نفسها أو أن تضيع في زحمة المعاملات ، وإن كان مضطرا للتوقيع أو الشرح فلابد من أن يجر معه أكبر قدر من الموظفين من خلال ما يعرف بالتأشيرات الجانبية،وذلك حتى يستطيع أن يتملص من المسئولية بإدعاء أنها غلطة الآخرين00
5. عدم وجود معايير مقننه لتقييم الموظفين : حيث يتم التقييم من خلال عدم وجود معايير منشورة وواضحة ، بحيث يقع الموظف تحت رحمة المدير الفوضوي الذي يعاقب من يحاول ترتيب كل فوضى يحدثها بحصوله على أدنى درجات التقييم 00
إننا نعاني من حالة فوضى فى مجتمعنا مستفحلة فى كافة المجالات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية والثقافية وفى تركيبته الشخصية وأنماط سلوكياته نتج عنها حالة اغتراب مستعصية تتجلى في تبعيته الاقتصادية والسياسية والثقافية ، وأصبح المجتمع عاجز يعاني من التخّلف من نوع آخر وهو عدم شعور الإنسان بمسؤولياته تجاه الآخرين لدرجة البلادة في التفكير والسلوك معا وتصبح الأمور المستهجنة أمرا عاديا لدية او لا تثير استغرابه ويعده من الأفعال غير المثيرة للقرف او الاشمئزاز، إضافة إلى انتشار ظاهرة الاتكال والتهرب من المسؤولية والتى تبدأ من المحيط الأسري ثم المدرسي ثم الشارع لتشيع منظومة سلوك عشوائية لا يمكن القضاء عليها ، وفوق كل ذلك عدم الحزم في تطبيق القانون حيث إن القانون يصبح مُخترقا بالواسطة وتغليب المصالح الشخصية ، فضلاً عن التساهل في تطبيقه على الجميع بشكل عادل وتسود قناعة لدى الأفراد أن القانون وضع لكي يخدم مصالح معينة والقانون نفسه ليس عادلاً بما يقنع الناس بأهميته ، فضلاً عن مزاجية السلطة في تطبيقه بدليل كثرة الاستثناءات وأن الموقع السلطوي في المجتمع يصبح أقوى من القانون 00
لقد أصبحت ثقافة الفوضى هى المسيطرة والمتحكمة ومعها يصبح كل شيء ممكناً ، وتختلط الأمور ويكون السير دائما عكس الاتجاه ، ويضيع التاريخ ويصبح الحاضر رهينة ويتسرب المستقبل ويخبو الأمل في صنع غدٍ أفضل ، وتصبح أبسط الحقوق أحلاماً يصعب علينا تحقيقها وتكون مطلباً بعيد المنال أو تدخل في باب المحال ويستوي المخطئ والمصيب ، ويستسيغ الجميع فكرة الجهل والإهمال والتسيب وفن المراوغة والخداع والتلاعب ويضيع مفهوم الانتماء الحقيقي للوطن ، وتحدث حالة من الانكسار للمواطن تحت وطأة الظروف المعيشية القاسية وصلف السلطات وتعنت الهيئات الحكومية وانتشار الفساد بمختلف صوره وأشكاله00
لقد تمكنت الفوضى من أسلوب حياة المجتمع فانتشر الزنا وجرائم الدعارة والزواج العرفى بين طلاب المدارس والجامعات وسادت ثقافات العلاقات الغير مشروعة وانتشرت ثقافة العرى والابتذال فى كل مكان وأصبح المجتمع يتقبل كل الأفكار الشاذة الجديدة فى ظل عولمة فاجرة تريد أن تعمم الفوضى تحت شعار حرية التعبير ستاراً من أجل تمرير مخططاتها الجديدة كل ذلك من أجل تحقيق مصالح ضيقة ، باختصار تترك الفوضى اثارها السلبية التى يمكن اجمالها فى النقاط التالية :
1. تداخل المصالح الخاصة مع المصلحة العامة وتغلغل أصحاب النفوذ في توجيه الموارد العامة واستغلالها لمصالح خاصة.
2. شخصنة السلطة وعدم الفصل بين العام والخاص وشخصنة الإصلاح00
3. الجمع بين الوظيفة العامة والأعمال الخاصة حيث ان هناك مسئولون بالدولة يمارسون اعمالهم الخاصة احيانا بأنفسهم أو من خلال أقربائهم 00
4. غياب المعايير في اختيار القيادات الإدارية00
5. انتشار ثقافة الفساد وآلياته والقيم التي تتسامح مع الفساد وغياب أي دور تربوى واعلامى فى مقاومته 00
6. نقص شفافية المعلومات وعمليات صنع القرار، فلا وجود لقانون ينظم ويؤكد حرية المعلومات.
7. إهدار المال العام وضعف في تحصيل موارد الدولة ، استغلال القطاع الخاص لثغرات قانون أملاك الدولة والأنظمة المتعلقة بالمناقصات والمزايدات العامة.
8. ضبط المجتمع المدني باستمرار ومحاولة الهيمنة عليه والتدخل بشئونه.
9. ضعف مفهوم المواطنة وقيام الدولة على كسب العصبيات والو لاءات الطائفية والقبلية حتى صارت الانتماءات إلى الأسرة والقبيلة والطائفة مقدمة على الوطن .
10. ضعف المؤسسات الخدماتية حيث أن الخدمة متواضعة في أكثر من قطاع بسبب انتشار الفساد الإداري والرشوة بشكل كبير، وغياب المحاسبة وضعف الرقابة00
11. تضخم الجهاز البيروقراطي وترهل الإدارة وانخفاض الإنتاجية00
12. غياب المؤسسات الرقابية مثل هيئة الرقابة الإدارية 00
13. عدم محاسبة الفاسدين الكبار بشكل خاص حتى تطاول عامة الناس على هيبة الدولة والقانون00
14. انتشار فهم خاطئ بين افراد المجتمع في مسألة توزيع الثروة ، وعدم مواجهة هذا الفهم وحله حلا جذريا مقنعا بالمشاركة بين السلطتين التشريعية والتنفيذية00
15. ضعف القوانين ونظام القضاء والخدمات المتعلقة به من ردع الفساد وأسبابه وأشخاصه00
بالفوضى اما ان يموت هذا الوطن بسببها أو يتم تطهيره منها بجراحات مؤلمة وبجرعات من الكيماوي المنهكة ، مهما كانت تكلفتها ومهما طالت من الأشخاص أو أصحاب النفوذ ومهما كانت المقاومة التي ستلقاها ولا نقبل ان يصعد على آلام الوطن ومصابه البطولات الوهمية من هم شركاء فى جريمة الفوضى بحق الوطن ، ولا نقبل بكلمات المواساة والتعاطف التي يسديها المسئولون ما لم يتم تطهير جسد الوطن ، فقد آن الأوان للضرب بيد من حديد وتشكيل لجان تحقيق تصل إلى جميع أشخاص الفوضى ومظاهرها00
اننا فى حاجة ماسة الى قراراً شجاعاً تاريخياً يقول لا للوساطة ومن يقم بذلك فسنتخذ ضده إجراءات دستورية وقانونية فورية ، لا تعيينات لغير الكفاءة بالمؤهلات والخبرة الحقيقية ، لا علاج في الخارج الا بمرض حقيقي وتقرير دقيق ، لا مقبولين بالوظائف الهامة إلا بشروط الكفاءة والقدرة ، لا شخص يوضع بموقع المسؤولية لأنه ابن فلان أو بواسطة المسئول علان أو لإرضاءات فئوية أو طائفة أو قبلية لا تساهل مع شهادات تشترى من جامعات مغمورة ويتم اعتمادها ، لا وزراء بلا كفاءة وأهلية ، كما يطالب بتفتح ملفات الفوضى التي استشرت في جسد البلد مثل انتشار مرض السرطان الفتاك فى ظل تواجد مرتكبيها ومؤيديها بدلا من التنقيب عنها بعد الخروج من الخدمة او تدفن لوفاة المسئول عنها 00
صلاح مصطفى على بيومى
مدير ادارة تنسيق وظائف التعليم الفنى
مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء