إن العاطل شخص لا ينفع الدولة ولا المجتمع سواء كان متعلما أو غير متعلم ، والدولة من جهتها أصبحت لا تبحث عن نفعه حتى ولو كان خبيرا في اختصاصه متفردا في علمه ومهاراته وفي المقابل لا يضرها ولا ينبغي له أن يسعى لذلك بموجب الواجب والقانون والأنظمة ، فهو إذن شخص لا يكلف الدولة ولا يثقل كاهلها ماديا لأنها لا تعوضه عن عطالته من خزينتها ولا تصرف له ضمانا اجتماعيا ولا تضمن له تأمينا أو تغطية صحية ، إنه بهذا المعنى واحد من الشعب في الواجبات وصفر في الحقوق ، وبذلك يمكن تغيير اسم البطالة الى عطاله لأن الذي لا يعمل يطلق عليه وصف عاطل ، وهو الشخص الذي لا عمل لديه وقد بحث بجدية عن عمل خلال عدد محدد من الأيام الماضية الا انه فشل او انه الشخص الذى ينتظر لاستدعائه لعمل بعد الاستغناء عن خدماته ، أو ينتظر لإبلاغه عن عمل جديد خلال عدد محدد من الأيام00
وعموما إن مشكلة البطالة من اخطر المشكلات التى تواجهنا نظرا لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، فحينما ننظر الى البطالة كظاهرة نربط بينها وبين المظاهر السلبية الخطيرة فى المجتمع كالإقصاء الاجتماعي والفقر والتهميش وهدر الطاقات والكفاءات ، وعلاقاتها بالجريمة والعنف والتطرف والإرهاب والانحرافات الشاذة وكل المظاهر الاجتماعية غير السليمة التي يمكن أن حدثت حينما استفحلت هذه الظاهرة ووصلت إلى الباب المسدود ، كما تركت الكثير من المشاكل الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والأمنية والسياسية يعانى منها فئة عريضه من فئات المجتمع الا وهو جيل الشباب الذى يعتبر جيل العمل والإنتاج لأنه جيل القوة والطاقة والمهارة والخبرة ، فهناك فئة من الشباب تعانى من البطالة لأنها تفكر في بناء أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بالاعتماد على انفسهم من خلال العمل والإنتاج لا سيما ذوي الكفاءات والخريجين الذين أمضوا الشطر المهم من حياتهم في الدراسة والتخصص واكتساب الخبرات العملية ، وفئة أخرى تعاني من آثار البطالة بسبب نقص التأهيل وعدم توافر الخبرات لديهم ، لتَدني مستوى تعليمهم وإعدادهم من قِبَل حكوماتهم أو أولياء أمورهم وبالتالي يعانون من الفقر والحاجة والحرمان وتخلف أوضاعهم الصحية أو تأخرهم عن الزواج وتكوين الأسرة أو عجزهم عن تحمل مسئولية أسرهم ، وهذه الفئات العاطلة قد نفذ صبرها ولم تعد تؤمن بالوعود والآمال المعطاة لها و هي ترفع شعار التململ والتمرد ولا يمكن لومها ولكن لا يمكن تشجيعها على المس بممتلكات الوطن وأمنه ، ولكن لابد أن نلتمس لهم العذر خاصة وانه فى مقابل مرارة ظروفهم هناك فئات أخرى من المجتمع منغمسة في ترف المادة ورغد العيش وفى نفس الوقت لا يملكون اى مقومات علمية او كفاءات اوصلتهم لهذا الرغد من العيش ومنهم من لم يهتم بأن يصل الى مستوى من الكفاءة معتمدا على الثروة التى يمتلكها او التى ورثها دون تعب او كلل ، وهذا يدفع الى ان ينطق لسان حال الذين يعانون من البطالة متسائلين أين العدالة الاجتماعية والإنصاف ، والأسواء من هذا سياسة العنف المفرطة لمواجهة حركة العاطلين تخلق إلا المزيد من العنف والاضطراب وتفاقم الأزمة فأنتشرت حالات الإرهاب والمخدرات والسرقة واغتصاب والبقية تأتي وهذا انعكاس البطالة التي يعاني منها الشباب على سلوكهم وتلقي بظلالها على المجتمع الذي يعيشون فيه حيث بدأت تظهر في مجتمعنا صورة متكاملة لسلوكيات شاذة لبعض الفئات في شكل تعاطي المخدرات والسرقة والاغتصاب والإحساس بالظلم الاجتماعي وما تولد عنه من قلة الانتماء والعنف وارتكاب الأعمال الإرهابية والتخريبية وظهور فئة أخرى من الشباب تعيش بالكبت داخلها ويتحول بمرور الوقت إلى شعور بالإحباط ويخلق شبابا مدمرا نفسيا وعضويا ، وما الجرائم التي نطالعها يوميا على صفحات الحوادث من اغتصاب وسرقة وقتل وعنف ما هي إلا أصدق ترجمة وأدل تعبير عن حالة التخبط والواقع المتردي لشباب عاجز عن نيل أبسط حقوقه ، شباب يمتلك الطاقة والطموح ولا يجد المنفذ الطبيعي لتوجيهها، وفوق كل هذا يعانى فئات البطالة نجد نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات ويشعرون بالفشل وأنهم أقل من غيرهم ، وتسيطر عليهم حالة من الملل وتقل يقظتهم العقلية والجسمية وتولد عندهم شعورا بالنقص بالإضافة إلى ظهور الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالرذيلة والسرقة والنصب والاحتيال، وتنشأ حالة من العدوانية والإحباط ، وفى النهاية يحرم المجتمع من الاستفادة من طاقة أبنائه ، وكذلك في الأسر التي يفقد فيها الزوج وظيفته فإن التأثير يمتد بدوره إلى الزوجات سلبا وينعكس الأمر على العلاقة الأسرية ومعاملة الأبناء ، وللأسف قبل أن يبادر المجتمع بالبحث عن اسباب انتشار هذه الجوانب السلبية بادر بالإدانة دون البحث اوالتنقيب في جذور المشكلة الأصلية وهي البطالة وقلة فرص العمل المتاحة أمام الشباب 00
أن هذه المشكلة نتج عنها مصائب رهيبة مترتبة على بعضها انتجت الكثير من الأمراض النفسية أو للإدمان والجرائم والكارثة وصلت لحد ضعف الانتماء للبلد وكراهية المجتمع وانتهي الأمر بالعنف والإرهاب ، لأن هذا الشاب العاطل منهار وكاره للمجتمع كما انها ساعدت على تأخر سن الزواج وانتشار الزنا والزواج العرفي ، فهى لم تؤثر على اقتصاد البلد فقط بل تركت تأثيرا سلبياً على فئات المجتمع كافة ، إن الشباب المتعطل عن العمل هم في نهاية المطاف يعبرون عن إحساسهم بظلم المجتمع لهم ، من خلال سيطرة مشاعر الإحباط ، وانعدام ثقتهم بنفسهم تنتهى بحالات من الاندفاع والفوضى وعدم الاكتراث والعصبية الزائدة ، وانتشار ظاهرة الإجرام والمخدرات والانحلال الأخلاقي وتدهور العلاقات الأسرية وانتشار حالة الانعزال مع إحساسهم بالفشل والدونية والنقص وعدم الاندماج مع وسطهم الاجتماعي00
مشكلة البطالة فى مصر: بدأت مشكلة البطالة فى الظهور بعد قيام ثورة 23 يوليو والتى كان لها مالها من إنجازات ، وعليها ما عليها من إخفاقات ، وقد كان من أهم إخفاقاتها التضحية بنظم التعليم الراسخة القديمة مثل إعلان مجانية التعليم مجانية مطلقة بصرف النظر عن مسألة الجودة والتميز كشرط من شروط مجانية التعليم للمتميزين، وقد تسبب هذا الإجراء فى تطلع جميع طبقات المجتمع المصرى، والإسراع فى حصول أبنائه على المؤهلات العلمية العليا لاحتلال المراكز الوظيفية المرموقة، ونبذ التدريب على المهن الفنية وغير الفنية المختلفة التى يحتاجها المجتمع المصرى لاستكمال بنيانه الاجتماعى والثقافى والحضاري حتى يواكب المجتمعات الأخرى المماثلة ويتفوق عليها كما كانت عادته قبل ذلك ويحافظ قوة بنائه ، واندفاع الغالبية العظمى من الشعب المصرى إلى تعليم أبنائها تعليما جامعيا سعيا للتميز بهدف الوصول بهم إلى المراكز المرموقة فى المجتمع فقط دون الأخذ فى الاعتبار عنصرى العرض والطلب على سوق المؤهلات الجامعية وترتب على ذلك ان حدثت كارثة الوفرة فوق اللازمة فى طلب التعليم العالى أو المؤهلات العليا دون تمييز، فارتفع عدد الطلبة فى الجامعات بناء على طلب الأسرة التى اهتمت بالسعى لهذا الاتجاه فى طلب شهادة لابنها بصرف النظر عن طلب سوق العمل لهذا التخصص، وبذلك فقدت الشهادات الجامعية التى يحملونها أهميتها وأدت إلى إهمال الكيف والاهتمام بالكم فى تخريج حملة شهادات التعلم والتوظيف ، فشاعت فوضى التعليم الحقيقى ولم يعد هناك إلا الاهتمام بالحصول على شهادة التعيين الذى أصبح بعد ذلك عبئاً على حامله لما يتطلبه من مظهر يجبره على سلوكيات هو أصلاً لا يملك توفير تكلفة مظاهرها، وتضع عليه قيداً أدبياً اجتماعياً مصرياً باعتبار أن قيمة الفرد تعتمد على قيمة ما يحمل من شهادات التعيين فى الوظائف الهامة، وهى مع الأسف ثقافة الدول المتخلفة ، حيث إن ثقافة الدول المتقدمة تفصل بين الشهادات العلمية والمهن الحرفية ، فقد نجد سباكاً يحمل مؤهلاً علمياً بارزا ، أو نجاراً يحمل مؤهلا عالياً ولكنه لم يجد مجال عمله فى ما يحمله من مؤهلات ، واستمر الحال على هذا المنوال حتى يومنا هذا، فمع الأسف مازالت سياسة ترميم نظام التعليم تخضع لأفكار متعددة تفسد التعليم أكثر من أن ترممه نتيجة التخلف الإدارى الذى يتمتع به الروتين الذى يتبعه المسئولون الإصلاحيون الذين يزيدون الطين بله عندما يتولون قيادة قطاع التعليم ويصرون على تطبيق نظرياتهم الفاشلة فى ترميم التعليم خوفاً من الفئات المستفيدة من التعليم المجانى ، أو الشهادات العلمية المجانية عديمة القيمة الحقيقية ، وقد نجحت الثورة بامتياز فى أن تلهث جميع طبقات الشعب المصرى خلف تخريج شبابها حاملا شهادات تعقيدية تدفع هؤلاء الشباب إلى المطالبة بمواقع عمل تناسب تلك الشهادات نظرياً ، ولكنها لا تصلح عملياً إلا لتعليقها على الحوائط فقط مما ضاعف الاحتقان فى نفوس المجتمع مع انتشار البطالة ووجود وظائف شاغرة لا تجد من له مهارة شغلها ولم يجن الشباب من حملة الشهادات العليا غير الحسرة على وقت الدراسة والعمل من أجل الحصول على تلك الشهادات، وقد أهملت الحكومات المصرية المتعدد المتتالية، التخطيط والتدريب العلمي والعملي السليم وفقا للاحتياجات الفعلية لسوق العمل فى مصر.
وبالرغم من أن الإنسان المصرى مشهود له بالذكاء الفطرى ومع الوفرة العددية المطردة فى التعداد السكاني، الذى يمثل ميزة نسبية للاقتصاد المصرى كعنصر أساسى من عناصر الإنتاج مع توفر عناصر الإنتاج الأخرى من مواد أولية وثروات طبيعية فإن الإنسان المصرى تحول إلى عيب نسبى يستهلك ولا ينتج ، كما ان نتيجة عدم توفر الخطط المركزية اللازمة لاستغلال طاقاته كعنصر هام من عناصر الإنتاج له ميزة اقتصادية نسبية ، تحول المجتمع المصرى إلى مجتمع طارد للمهارات والأخلاق والقيم نتيجة الفقر المتزايد فهاجرت الأيدى العاملة المدربة خارج البلاد وحرمت مصر من مهارات وخبرات أبنائها، مما تسبب فى عدم وجود كوادر مدربة لتدريب متدربين جدد فى المهن المختلفة لتنمية الاقتصاد المصرى الذى تحول إلى اقتصاد ضعيف 00
ومن ذلك كله تتضح خطورة مشكلة البطالة في المجتمع المصري والتي يجب إن نتصدى لها بقوة ونقدم حلولا جادة لها ، فالمشكلة في هذه الحالة ليست في ارتفاع المستويات العلمية والمهنية للقوي العاملة ، إنما الأمر يتعلق في أنها تمثل فائضاً أو تضخماً تعليمياً لأنها فوق قدرة الاقتصاد علي استيعاب كل الخريجين فعندما يقوم مهندس بعمل كتابي أو أداري فإنه لا يساهم في زيادة الإنتاج بشكل مطلق، بل علي العكس، وتخلق حالة من عدم الرضي والإحباط واللامبالاة والصراع الاجتماعي ومن هنا تمثل البطالة شكلا من أشكال الهدر في الموارد البشرية تتصدر مسؤوليته نظم التعليم 00
كل هذا يحتم علينا التنسيق والتكامل مع نظام التعليم من أجل بناء المعارف والمهارات والمهن التي يحتاجها سوق العمل ، فقضية توجيه التعليم لغرض الإنتاج وتحسين الأداء والاقتصاد ليست كما يتصورها البعض مجرد علاقة رياضية بين المنتج وسوق العمل أو من الوظائف التي تستدعي بناء برامج تعليم جديدة ، أو حجم ونوع المنشآت التعليمية المطلوبة ، أو التوسع في التعليم المهني والفني ، إنما المسألة تنحصر أساسا في صياغة فلسفة وأهداف تربوية تلبي الحاجات المستقبلية ، فالمحتويات التعليمية والأساليب يجب أن يلبيا فلسفة البعد الكيفي للتعليم ، فالتعليم لن ينجح إذا لم يكن وظيفيا ً، والطلاب يجب أن تنمي لديهم طريقة التفكير العلمي، واكتساب المهارات، وإدراك قيمة العمل ، والتعليم الموجه نحو العمل المنتج يحتاج إلي إمكانات مادية وبشرية تعينه علي السير في تنفيذ خطط إعداد القوي العاملة ، وهذا يستدعي التنسيق مع القطاعين الاجتماعي والاقتصادي من منظور التوافق مع الفلسفة والأهداف التربوية ، كما أن تبادل المعلومات بين التربية وسائر القطاعات المجتمعية من خلال بناء نظام فاعل للمعلومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لاشك يعطي صورة واضحة عن الأوضاع الاقتصادية، وبنية العمالة، ومشاكل سوق العمل، وأوضاع التعليم، وكل ما له علاقة بأهداف التنمية .
الكثير من مشاكل القوي العاملة يمكن معالجتها عن طريق التعليم ، فالتخطيط التعليمي قبل كل شيء يتحتم عليه أن يرتب أوضاعه الداخلية ، ويرفع من كفاءته ، ويعيد النظر في برامجه وتنظيماته ونظم القبول للتخصصات المختلفة ، ولابد أن يكون التعليم تعليماً مهنياً ومنتجاً وليس لمجرد الحصول علي الثقافة العامة ، أو تخريج مثقفين ، وان استمرار التعامل مع منظومة التعليم على ان تنتج طالبا حاملا لمجموعة من المعلومات والمعارف الفاقدة للقيمة والجدوى فى حياته ، فان الوضع ينذر مستقبلاً بمخاطر اجتماعية وسياسية وفكرية وأمنية .
أن التحدي الكبير الذي يواجه نظامنا التعليمى هو في كيفية إيجاد توازنات بين الطلب الاجتماعي علي التعليم والاحتياجات الفعلية لسوق العمل وهى قضية ليس من اليسير تحقيقها ما لم تتضافر جهود المجتمع علي المستويين الحكومي والشعبي ، خاصة وان أزمة العلاقة بين التعليم والعمل أزمة طاحنة تستحق الكثير من الالتفات والعناية لما لها من آثار سيئة علي التنمية حيث مازالت هناك مجموعة من التحديات التى تواجه المجتمع منها الأطفال المحرومين من التعليم والمتعلم العاطل ، وحرمان المرأة من التعليم ، وهجرة الكفاءات حيث لوحظ فان نسبة كبيرة من المتعلمين تسعي بكل الطرق للهجرة من اجل العمل في الخارج ورغم ان هذه التحديات لها أسباب متعددة ومتشعبة بعضها اقتصادي وبعضها سياسي واجتماعي الا ان التعليم مسئول عنها نسبيا00
وأخيرا لا يوجد شيء أثقل على النفس من تجرع مرارة الحاجة والعوز المادي فهي تنال من كرامة الإنسان ومن نظرته لنفسه وعلى الخصوص عندما يكون الفرد مسئولا عن أسرة تعول عليه في تأمين احتياجاتها المعيشية، فعندما تشخص إليك أبصار الأطفال في المطالبة بمستلزمات العيش وترى في نظراتهم البريئة استفسارات كثيرة يقف المرء عاجزا لا يدري كيف يرد عليها وبأي منطق يقنعهم بقبول واقعهم المرير، كيف تشرح لهم أن رب لأسرة عاطل لا عمل لديه ولا يقدر على الاستجابة لرغباتهم والجوع كافر كما هو معروف00
صلاح مصطفى على بيومى
مدير ادارة تنسيق وظائف التعليم الفنى
مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء
وعموما إن مشكلة البطالة من اخطر المشكلات التى تواجهنا نظرا لما لها من آثار سلبية خطيرة على المستويات الاقتصادية والاجتماعية والأمنية ، فحينما ننظر الى البطالة كظاهرة نربط بينها وبين المظاهر السلبية الخطيرة فى المجتمع كالإقصاء الاجتماعي والفقر والتهميش وهدر الطاقات والكفاءات ، وعلاقاتها بالجريمة والعنف والتطرف والإرهاب والانحرافات الشاذة وكل المظاهر الاجتماعية غير السليمة التي يمكن أن حدثت حينما استفحلت هذه الظاهرة ووصلت إلى الباب المسدود ، كما تركت الكثير من المشاكل الاقتصادية والنفسية والاجتماعية والأمنية والسياسية يعانى منها فئة عريضه من فئات المجتمع الا وهو جيل الشباب الذى يعتبر جيل العمل والإنتاج لأنه جيل القوة والطاقة والمهارة والخبرة ، فهناك فئة من الشباب تعانى من البطالة لأنها تفكر في بناء أوضاعها الاقتصادية والاجتماعية بالاعتماد على انفسهم من خلال العمل والإنتاج لا سيما ذوي الكفاءات والخريجين الذين أمضوا الشطر المهم من حياتهم في الدراسة والتخصص واكتساب الخبرات العملية ، وفئة أخرى تعاني من آثار البطالة بسبب نقص التأهيل وعدم توافر الخبرات لديهم ، لتَدني مستوى تعليمهم وإعدادهم من قِبَل حكوماتهم أو أولياء أمورهم وبالتالي يعانون من الفقر والحاجة والحرمان وتخلف أوضاعهم الصحية أو تأخرهم عن الزواج وتكوين الأسرة أو عجزهم عن تحمل مسئولية أسرهم ، وهذه الفئات العاطلة قد نفذ صبرها ولم تعد تؤمن بالوعود والآمال المعطاة لها و هي ترفع شعار التململ والتمرد ولا يمكن لومها ولكن لا يمكن تشجيعها على المس بممتلكات الوطن وأمنه ، ولكن لابد أن نلتمس لهم العذر خاصة وانه فى مقابل مرارة ظروفهم هناك فئات أخرى من المجتمع منغمسة في ترف المادة ورغد العيش وفى نفس الوقت لا يملكون اى مقومات علمية او كفاءات اوصلتهم لهذا الرغد من العيش ومنهم من لم يهتم بأن يصل الى مستوى من الكفاءة معتمدا على الثروة التى يمتلكها او التى ورثها دون تعب او كلل ، وهذا يدفع الى ان ينطق لسان حال الذين يعانون من البطالة متسائلين أين العدالة الاجتماعية والإنصاف ، والأسواء من هذا سياسة العنف المفرطة لمواجهة حركة العاطلين تخلق إلا المزيد من العنف والاضطراب وتفاقم الأزمة فأنتشرت حالات الإرهاب والمخدرات والسرقة واغتصاب والبقية تأتي وهذا انعكاس البطالة التي يعاني منها الشباب على سلوكهم وتلقي بظلالها على المجتمع الذي يعيشون فيه حيث بدأت تظهر في مجتمعنا صورة متكاملة لسلوكيات شاذة لبعض الفئات في شكل تعاطي المخدرات والسرقة والاغتصاب والإحساس بالظلم الاجتماعي وما تولد عنه من قلة الانتماء والعنف وارتكاب الأعمال الإرهابية والتخريبية وظهور فئة أخرى من الشباب تعيش بالكبت داخلها ويتحول بمرور الوقت إلى شعور بالإحباط ويخلق شبابا مدمرا نفسيا وعضويا ، وما الجرائم التي نطالعها يوميا على صفحات الحوادث من اغتصاب وسرقة وقتل وعنف ما هي إلا أصدق ترجمة وأدل تعبير عن حالة التخبط والواقع المتردي لشباب عاجز عن نيل أبسط حقوقه ، شباب يمتلك الطاقة والطموح ولا يجد المنفذ الطبيعي لتوجيهها، وفوق كل هذا يعانى فئات البطالة نجد نسبة كبيرة من العاطلين عن العمل يفتقدون تقدير الذات ويشعرون بالفشل وأنهم أقل من غيرهم ، وتسيطر عليهم حالة من الملل وتقل يقظتهم العقلية والجسمية وتولد عندهم شعورا بالنقص بالإضافة إلى ظهور الأمراض الاجتماعية الخطيرة كالرذيلة والسرقة والنصب والاحتيال، وتنشأ حالة من العدوانية والإحباط ، وفى النهاية يحرم المجتمع من الاستفادة من طاقة أبنائه ، وكذلك في الأسر التي يفقد فيها الزوج وظيفته فإن التأثير يمتد بدوره إلى الزوجات سلبا وينعكس الأمر على العلاقة الأسرية ومعاملة الأبناء ، وللأسف قبل أن يبادر المجتمع بالبحث عن اسباب انتشار هذه الجوانب السلبية بادر بالإدانة دون البحث اوالتنقيب في جذور المشكلة الأصلية وهي البطالة وقلة فرص العمل المتاحة أمام الشباب 00
أن هذه المشكلة نتج عنها مصائب رهيبة مترتبة على بعضها انتجت الكثير من الأمراض النفسية أو للإدمان والجرائم والكارثة وصلت لحد ضعف الانتماء للبلد وكراهية المجتمع وانتهي الأمر بالعنف والإرهاب ، لأن هذا الشاب العاطل منهار وكاره للمجتمع كما انها ساعدت على تأخر سن الزواج وانتشار الزنا والزواج العرفي ، فهى لم تؤثر على اقتصاد البلد فقط بل تركت تأثيرا سلبياً على فئات المجتمع كافة ، إن الشباب المتعطل عن العمل هم في نهاية المطاف يعبرون عن إحساسهم بظلم المجتمع لهم ، من خلال سيطرة مشاعر الإحباط ، وانعدام ثقتهم بنفسهم تنتهى بحالات من الاندفاع والفوضى وعدم الاكتراث والعصبية الزائدة ، وانتشار ظاهرة الإجرام والمخدرات والانحلال الأخلاقي وتدهور العلاقات الأسرية وانتشار حالة الانعزال مع إحساسهم بالفشل والدونية والنقص وعدم الاندماج مع وسطهم الاجتماعي00
مشكلة البطالة فى مصر: بدأت مشكلة البطالة فى الظهور بعد قيام ثورة 23 يوليو والتى كان لها مالها من إنجازات ، وعليها ما عليها من إخفاقات ، وقد كان من أهم إخفاقاتها التضحية بنظم التعليم الراسخة القديمة مثل إعلان مجانية التعليم مجانية مطلقة بصرف النظر عن مسألة الجودة والتميز كشرط من شروط مجانية التعليم للمتميزين، وقد تسبب هذا الإجراء فى تطلع جميع طبقات المجتمع المصرى، والإسراع فى حصول أبنائه على المؤهلات العلمية العليا لاحتلال المراكز الوظيفية المرموقة، ونبذ التدريب على المهن الفنية وغير الفنية المختلفة التى يحتاجها المجتمع المصرى لاستكمال بنيانه الاجتماعى والثقافى والحضاري حتى يواكب المجتمعات الأخرى المماثلة ويتفوق عليها كما كانت عادته قبل ذلك ويحافظ قوة بنائه ، واندفاع الغالبية العظمى من الشعب المصرى إلى تعليم أبنائها تعليما جامعيا سعيا للتميز بهدف الوصول بهم إلى المراكز المرموقة فى المجتمع فقط دون الأخذ فى الاعتبار عنصرى العرض والطلب على سوق المؤهلات الجامعية وترتب على ذلك ان حدثت كارثة الوفرة فوق اللازمة فى طلب التعليم العالى أو المؤهلات العليا دون تمييز، فارتفع عدد الطلبة فى الجامعات بناء على طلب الأسرة التى اهتمت بالسعى لهذا الاتجاه فى طلب شهادة لابنها بصرف النظر عن طلب سوق العمل لهذا التخصص، وبذلك فقدت الشهادات الجامعية التى يحملونها أهميتها وأدت إلى إهمال الكيف والاهتمام بالكم فى تخريج حملة شهادات التعلم والتوظيف ، فشاعت فوضى التعليم الحقيقى ولم يعد هناك إلا الاهتمام بالحصول على شهادة التعيين الذى أصبح بعد ذلك عبئاً على حامله لما يتطلبه من مظهر يجبره على سلوكيات هو أصلاً لا يملك توفير تكلفة مظاهرها، وتضع عليه قيداً أدبياً اجتماعياً مصرياً باعتبار أن قيمة الفرد تعتمد على قيمة ما يحمل من شهادات التعيين فى الوظائف الهامة، وهى مع الأسف ثقافة الدول المتخلفة ، حيث إن ثقافة الدول المتقدمة تفصل بين الشهادات العلمية والمهن الحرفية ، فقد نجد سباكاً يحمل مؤهلاً علمياً بارزا ، أو نجاراً يحمل مؤهلا عالياً ولكنه لم يجد مجال عمله فى ما يحمله من مؤهلات ، واستمر الحال على هذا المنوال حتى يومنا هذا، فمع الأسف مازالت سياسة ترميم نظام التعليم تخضع لأفكار متعددة تفسد التعليم أكثر من أن ترممه نتيجة التخلف الإدارى الذى يتمتع به الروتين الذى يتبعه المسئولون الإصلاحيون الذين يزيدون الطين بله عندما يتولون قيادة قطاع التعليم ويصرون على تطبيق نظرياتهم الفاشلة فى ترميم التعليم خوفاً من الفئات المستفيدة من التعليم المجانى ، أو الشهادات العلمية المجانية عديمة القيمة الحقيقية ، وقد نجحت الثورة بامتياز فى أن تلهث جميع طبقات الشعب المصرى خلف تخريج شبابها حاملا شهادات تعقيدية تدفع هؤلاء الشباب إلى المطالبة بمواقع عمل تناسب تلك الشهادات نظرياً ، ولكنها لا تصلح عملياً إلا لتعليقها على الحوائط فقط مما ضاعف الاحتقان فى نفوس المجتمع مع انتشار البطالة ووجود وظائف شاغرة لا تجد من له مهارة شغلها ولم يجن الشباب من حملة الشهادات العليا غير الحسرة على وقت الدراسة والعمل من أجل الحصول على تلك الشهادات، وقد أهملت الحكومات المصرية المتعدد المتتالية، التخطيط والتدريب العلمي والعملي السليم وفقا للاحتياجات الفعلية لسوق العمل فى مصر.
وبالرغم من أن الإنسان المصرى مشهود له بالذكاء الفطرى ومع الوفرة العددية المطردة فى التعداد السكاني، الذى يمثل ميزة نسبية للاقتصاد المصرى كعنصر أساسى من عناصر الإنتاج مع توفر عناصر الإنتاج الأخرى من مواد أولية وثروات طبيعية فإن الإنسان المصرى تحول إلى عيب نسبى يستهلك ولا ينتج ، كما ان نتيجة عدم توفر الخطط المركزية اللازمة لاستغلال طاقاته كعنصر هام من عناصر الإنتاج له ميزة اقتصادية نسبية ، تحول المجتمع المصرى إلى مجتمع طارد للمهارات والأخلاق والقيم نتيجة الفقر المتزايد فهاجرت الأيدى العاملة المدربة خارج البلاد وحرمت مصر من مهارات وخبرات أبنائها، مما تسبب فى عدم وجود كوادر مدربة لتدريب متدربين جدد فى المهن المختلفة لتنمية الاقتصاد المصرى الذى تحول إلى اقتصاد ضعيف 00
ومن ذلك كله تتضح خطورة مشكلة البطالة في المجتمع المصري والتي يجب إن نتصدى لها بقوة ونقدم حلولا جادة لها ، فالمشكلة في هذه الحالة ليست في ارتفاع المستويات العلمية والمهنية للقوي العاملة ، إنما الأمر يتعلق في أنها تمثل فائضاً أو تضخماً تعليمياً لأنها فوق قدرة الاقتصاد علي استيعاب كل الخريجين فعندما يقوم مهندس بعمل كتابي أو أداري فإنه لا يساهم في زيادة الإنتاج بشكل مطلق، بل علي العكس، وتخلق حالة من عدم الرضي والإحباط واللامبالاة والصراع الاجتماعي ومن هنا تمثل البطالة شكلا من أشكال الهدر في الموارد البشرية تتصدر مسؤوليته نظم التعليم 00
كل هذا يحتم علينا التنسيق والتكامل مع نظام التعليم من أجل بناء المعارف والمهارات والمهن التي يحتاجها سوق العمل ، فقضية توجيه التعليم لغرض الإنتاج وتحسين الأداء والاقتصاد ليست كما يتصورها البعض مجرد علاقة رياضية بين المنتج وسوق العمل أو من الوظائف التي تستدعي بناء برامج تعليم جديدة ، أو حجم ونوع المنشآت التعليمية المطلوبة ، أو التوسع في التعليم المهني والفني ، إنما المسألة تنحصر أساسا في صياغة فلسفة وأهداف تربوية تلبي الحاجات المستقبلية ، فالمحتويات التعليمية والأساليب يجب أن يلبيا فلسفة البعد الكيفي للتعليم ، فالتعليم لن ينجح إذا لم يكن وظيفيا ً، والطلاب يجب أن تنمي لديهم طريقة التفكير العلمي، واكتساب المهارات، وإدراك قيمة العمل ، والتعليم الموجه نحو العمل المنتج يحتاج إلي إمكانات مادية وبشرية تعينه علي السير في تنفيذ خطط إعداد القوي العاملة ، وهذا يستدعي التنسيق مع القطاعين الاجتماعي والاقتصادي من منظور التوافق مع الفلسفة والأهداف التربوية ، كما أن تبادل المعلومات بين التربية وسائر القطاعات المجتمعية من خلال بناء نظام فاعل للمعلومات الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لاشك يعطي صورة واضحة عن الأوضاع الاقتصادية، وبنية العمالة، ومشاكل سوق العمل، وأوضاع التعليم، وكل ما له علاقة بأهداف التنمية .
الكثير من مشاكل القوي العاملة يمكن معالجتها عن طريق التعليم ، فالتخطيط التعليمي قبل كل شيء يتحتم عليه أن يرتب أوضاعه الداخلية ، ويرفع من كفاءته ، ويعيد النظر في برامجه وتنظيماته ونظم القبول للتخصصات المختلفة ، ولابد أن يكون التعليم تعليماً مهنياً ومنتجاً وليس لمجرد الحصول علي الثقافة العامة ، أو تخريج مثقفين ، وان استمرار التعامل مع منظومة التعليم على ان تنتج طالبا حاملا لمجموعة من المعلومات والمعارف الفاقدة للقيمة والجدوى فى حياته ، فان الوضع ينذر مستقبلاً بمخاطر اجتماعية وسياسية وفكرية وأمنية .
أن التحدي الكبير الذي يواجه نظامنا التعليمى هو في كيفية إيجاد توازنات بين الطلب الاجتماعي علي التعليم والاحتياجات الفعلية لسوق العمل وهى قضية ليس من اليسير تحقيقها ما لم تتضافر جهود المجتمع علي المستويين الحكومي والشعبي ، خاصة وان أزمة العلاقة بين التعليم والعمل أزمة طاحنة تستحق الكثير من الالتفات والعناية لما لها من آثار سيئة علي التنمية حيث مازالت هناك مجموعة من التحديات التى تواجه المجتمع منها الأطفال المحرومين من التعليم والمتعلم العاطل ، وحرمان المرأة من التعليم ، وهجرة الكفاءات حيث لوحظ فان نسبة كبيرة من المتعلمين تسعي بكل الطرق للهجرة من اجل العمل في الخارج ورغم ان هذه التحديات لها أسباب متعددة ومتشعبة بعضها اقتصادي وبعضها سياسي واجتماعي الا ان التعليم مسئول عنها نسبيا00
وأخيرا لا يوجد شيء أثقل على النفس من تجرع مرارة الحاجة والعوز المادي فهي تنال من كرامة الإنسان ومن نظرته لنفسه وعلى الخصوص عندما يكون الفرد مسئولا عن أسرة تعول عليه في تأمين احتياجاتها المعيشية، فعندما تشخص إليك أبصار الأطفال في المطالبة بمستلزمات العيش وترى في نظراتهم البريئة استفسارات كثيرة يقف المرء عاجزا لا يدري كيف يرد عليها وبأي منطق يقنعهم بقبول واقعهم المرير، كيف تشرح لهم أن رب لأسرة عاطل لا عمل لديه ولا يقدر على الاستجابة لرغباتهم والجوع كافر كما هو معروف00
صلاح مصطفى على بيومى
مدير ادارة تنسيق وظائف التعليم الفنى
مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء