العلاقة بين التربية والتعليم والديموقراطية علاقة وثيقة ، إذ لا يمكن الحديث عن التربية والتعليم في غياب الحريات الخاصة والعامة وانعدام الديمقراطية الحقيقية القائمة على المساواة وتكافؤ الفرص والمبنية أيضا على العدالة الاجتماعية و الإيمان بالاختلاف وشرعية التعدد ، كما لا يمكن الحديث عن الديمقراطية في غياب تربية حقيقية وتعليم بناء وهادف يتسم بالجودة والإبداع والابتكار وتكوين الكفاءات المنتجة ويحترم المواهب ويقدر الفاعلين التربويين والمتعلمين المتفانين في البحث والاستكشاف والتنقيب العلمي والمعرفي 00
فالديمقراطية تقوم على احترام القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات ، ومن أهم أسسها الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف ، اما التربية هى كل فعل تربوي يهدف إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية صحيحة وسليمة ، وتساهم فى الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده وتسعى جادة لتكوين المواطن الصالح ، و تهدف كذلك إلى احداث تغيير فى المجتمع والدفع به نحو طريق التقدم والازدهار عبر تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة المثلى وهي التي تقوم بصياغة المجتمع صياغة أخلاقية وترفع من مكانته وتوصله إلى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة ، كما انها تسعى بشكل جاد إلى إدماج الفرد في المجتمع تكيفا وتأقلما وتصالحا وتغييرا، كما تسعى إلى تكوين أفراد قادرين على الاستقلال الفكري والأخلاقي ويحترمون هذا الاستقلال لدى الآخرين كما انها تحقق مجموعة من الوظائف الجوهرية كالتعليم والتثقيف والتطهير والتهذيب والتنوير وتحرير الفكر من قيود الأسطورة والخرافة والشعوذة والسمو بالإنسان نحو آفاق إيجابية ومثالية00
ومن هنا فالتربية والديمقراطية متلازمان كالعملة النقدية فلا تربية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا تربية ، وما أحوجنا اليوم إلى تربية ديمقراطية في وطننا من أجل تأهيل ابنائنا تأهيلا أخلاقيا وديمقراطيا لإدارة دفة البلاد وقيادة دواليبها على ضوء رؤية إبداعية ديمقراطية قائمة على أسس النظام والمسؤولية والانضباط والمواطنة الحقيقية ، فلا يمكن للمؤسسة التربوية الإسهام بفاعلية في ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية والعلمية والتفكير الواعي، والنقدي ، والجدلي، بمعزل عن بيئة تربوية ديمقراطية 00
والمثير للأسف أن مدرستنا اليوم تفتقر الى هذه المساحة الديموقراطية ، فالغالب عليها انها تقوم فى اغلب الممارسات على أساس التسلط من قمة الهرم التربوي إلى قاعدته المقهورة ، فنلاحظ اللهجة الآمرة جليةً في آلية تعامل الوزارة مع المديريات ، والأخيرة مع المديرين، والمديرون مع المعلمين ، تكرس الطاعة العمياء على الفئة المستهدفة ، كل حسب موقعه من جانب ، وتقوض أية فرصة لخلق مناخ حواري مع المتعلمين من جانب آخر، فالمعلم بناءً على الامتثال والسكون في هذا الجو الاستبدادي يحاول تأكيد سلطته على الطلبة ، ابتداءً من إجبارهم على ارتداء الزيّ الموحد، وصولاً إلى الأساليب القسرية لاستيعاب المادة التعليمية وفي النتيجة النهائية يصبح الطالب واقعاً تحت نظام وصاية لسلطات مختلفة ، ومن البديهي أن يعلن الانتفاضة والعصيان لاستعادة حريته واستقلاله حتى لو وصل به الأمر إلى ترك المدرسة والالتحاق بسوق العمل ويصبح التعليم في حياته لا يعدو إلا قشوراً سرعان ما تنهار على محك التجارب الحياتية ، والسبب في ذلك راجع لطريقة التعليم القهري التي حُيّد فيها دور العقل وهذه نتيجة حتمية لأي نظام يبنى على سياسة التلويح بالعصا والخوف والرعب وسلب الحريات مهما اختلفت أهدافه وتوجهاته ففي مثل هذه الظروف المرعبة وتتكون ظاهرة العصيان والتمرد التي يبديها الطلبة اتجاه المعلم والإدارة نتيجة لفقدان الحوار والحرية في أساليبنا التربوية ، من هنا كانت الدعوة الى تأكيد الترابط الوثيق بين الديموقراطية والتربية للمبررات التالية :
- الحاجة للمزيد من توسيع دائرة الفرص التربوية والاجتماعية المتكافئة ، وتعميم ديمقراطيتها ، بَدْءاً من شروط الالتحاق بالمدارس ، إلى الاستثمار الرشيد لمخرجات النظام التربوي عبر اندماجها الممنهج في النظام الإنتاجي والاجتماعي العام وذلك لضمان الاستفادة المستمرة والمتجددة من حقوق التربية والتعليم والتكوين والاندماج بالنسبة لكافة المواطنين00
2- الحاجة الماسة والضرورية للربط بين التخطيط التربوي والتخطيط الاجتماعي الشامل القائم على استراتيجية للتنمية الهادفة لتحقيق حاجات الأفراد والجماعات داخل المجتمع والتى يستببعها تغيير النظام التربوي القائم بالانتقال به من مجرد مقدم خدمة لتكون واقع طبيعي ومساهما بقدر كبير فى تحقيق الديموقراطية بالمجتمع 00
3- العمل على تزويد النظام التربوي بما يلزمه من آليات ومقومات التحرر ، واستقلالية اتخاذ القرار، والمبادرة ، والانفتاح وهذا يتطلب إعادة تأهيل وإصلاح المكونات اللازمة لتحقيق هذه الإهداف لإخراج النظام التربوي من الظروف الراهنة من أوضاع التبعية وسوء التخطيط وفقد آليات التنفيذ 00
4- التركيز على التنمية البشرية والتى تعنى تكوين المواطن الذي هو محور العملية الديمقراطية وهدفها في إطار رُؤْية شاملة للإنسان بمختلف أبعاده الاقتصادية والمادية والروحية والقيمية المتناغمة في إطار مشروع متكامل لـ "التنمية البشرية" لكونها الأرضية الملائمة لاستكمال وتعزيز مهام التحول الديمقراطي في مجتمعنا ، ذلك أن الإنسان الذي هو محور العملية التربوية هو محور كل الديمقراطية والتنمية منطلقا وإنجازا وغايات ونتائج ، ولذا لأن الاستثمار في الرأسمال البشري أرقى وأثمن أنواع الاستثمارات كلها ، لأنه العنصر المستثمِرُ بدوره في بقية العناصر الأخرى مهما كانت قيمتها، بما في ذلك قدرته ـ متى أُعِدَّ لذلك ـ على الاستثمار المجزي في ذاته هو أيضا00
5- ضمان التوزيع العادل لأهداف التربية والتعليم على كل أفراد المجتمع باختلاف طبقاته وبشكل يضمن مساهمتها الفاعلة في تعزيز وتحقيق التنمية الشاملة بشريا واجتماعيا ، لأن المجتمع الذى تسود فيه الأمية ، والفقر، والبطالة ، وتعطيل الكفاءات المؤهلة والهجرة العشوائية المغامِرة ، وهجرة أو تهجير العقول وهدر الطاقات البشرية المختلفة لا يمكن توقع أي انتقال ديمقراطي كالذي ننشده ، وإنما توقع الكثير من المصاعب المتراكمة والإعاقات أمام التنمية ، ومزيد من التخلف والتبعية إلى مراكز القوى المهيمنة على الصعيد العالمي 00
6- الحاجة المتزايدة للتأكيد على ان التربية أساسا قويا للتنمية والتحديث ضمن فلسفة تربوية واجتماعية شمولية متكاملة الأهداف والمكونات وبذلك يمكن أن نبني الديموقراطية على أرضية تضمن نموها وتكفل استمرارها واستمرارية التنمية الاجتماعية الشاملة.
7- الحاجة للأخذ بأساليب التربوية الحديثة فى التربية والتعليم والبعد عن التعليم التقليدي الذي يحمل الكثير من المساوئ منها :
• ينتج أفراد غير قادرين على المشاركة الايجابية بالمجتمع, مستبدين بآرائهم أنانين 00
• يكتسب بفيه الطالب سمة الخضوع كوسيلة مفيدة لتحقيق أهدافه وذلك خوفا من أي ردة فعل سلبية من الأخر, والتي ستستمر معه إلى أن يصبح مواطن بالغ 00
• يخلق اضطرابات في شخصية الطالب نتيجة كبته لمشاعره ورغباته 00 ت
• يؤدى إلى اضطرابات نفسية فعدم مقدرة الفرد في التعبير عن رأيه وكبت رغباته00
• يؤدى إلى اضطرا بات جسمية وهى اضطرا بات بدنية تنشأ من عوامل نفسية00
• يساهم في تربية الطلبة على التنافس والعدوان بدل التعاون والمسالمة فيساعد على تفشى ظاهرة العنف العدوان بين الطلبة في المراحل الدراسية المتقدمة كنتيجة من نتائج الكبت00
8- أهمية التربية الديمقراطية القصوى بالنسبة للطالب حيث تنبع أهميتها في العملية التعليمية من خلال تنمية شخصية الطالب وإعطاءه القدرة على إبداء الرأي والمناقشة واتخاذ القرار, حل المشكلات , مشاركة الآخرين واحترام آراء و حقوق الغير, تغليب المصلحة العامة علي الأهواء الشخصية, القيادة, تهيئة الفرصة أمامه تنمية أقصى حد من استعداداته وقدراته الشخصية.
وتتخذ الديمواقرطية التربوية أساليب ثلاثه فى منظومة التربية والتعليم منها :
أولا " ديمقراطية التعلم : وتعنى أن يكون التعليم منصبا على المتعلم الذي ينبغي أن يستفيد الجميع من برامج التعليم واهدافه بشكل متساو وفى إطار تكافؤ الفرص. ومن هنا، يستوجب الأمر على المربين أن يقدموا للمتعلمين الدعم لكي ينالوا حقهم من التربية والتعليم بشكل متساو ، بالأضافة إلى ذلك أنه من الضروري أن تقدم البرامج والمناهج والمقررات الدراسية مادة قانونية موسعة تؤهل التلميذ ليتعرف على حقوقه وواجباته لكي يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه00
ثانيا : ديمقراطية التعليم : وتعنى ان التعليم هو الذي يغير المجتمع ويحقق الديمقراطية الحقيقية ، كما أن المتعلم يتعلم الديمقراطية داخل المدارس والمؤسسات التربوية ويتربى في أجوائها المفعمة بالحرية ، وأن تسعى الدولة جادة وجاهدة لتثبيت أجواء الديمقراطية في مؤسساتها التربوية عن طريق إصدار مجموعة من المذكرات الوزارية والقرارات الحكومية والقوانين المنظمة ليتبوأ التعليم مكانة زاهية في مجتمع ديمقراطي 00
ثالثا تعليم الديمقراطية: وتعنى أن المجتمع لايمكن أن يكون ديمقراطيا يؤمن بالحريات الخاصة والعامة وحقوق الإنسان ويتشبث بمنطق الاختلاف وشرعية الحوار والتسامح إلا إذا تربى على الديمقراطية الحقيقية سلوكا وعملا وتطبيقا ، ولا يتأتى له ذلك إلا في المدرسة التي تعلم النشء مبادئ الديمقراطية السليمة وقوانين استعمالها ومعايير تمثلها وتطبيقها ، فبالتربية نتعلم الديمقراطية ونتمثلها شعارا وعقيدة ومبدأ وسلوكا00
آليات تحقيق الديمقراطية في مجال التربية:
هناك مجموعة من الآليات التطبيقية التي نتمكن من خلالها وبواسطتها تحقيق الديمقراطية بنجاح داخل مؤسساتنا التربوية بقصد نقلها بعد ذلك إلى المجتمع من خلال دفع المتعلم ليكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع كل أفراد أسرته ومجتمعه ووطنه وأمته بدون استثناء00 ويمكن حصر هذه الآليات الإجرائية والعملية في التقنيات والمبادئ التالية:
1- العمل الجماعى : يعد العمل من أهم الآليات لتحقيق الديمقراطية التربوية الحقيقية ؛ لأن الاشتغال في فريق تربوي داخل جماعة معينة يساعد التلميذ على التفتح والنمو واكتساب المعارف والتجارب لدى الغير، كما يبعده عن كثير من التصرفات الشائنة ويجنبه أيضا الصفات السلبية كالانكماش والانعزالية والانطواء والإحساس بالخوف والنقص والدونية ويساعده على التخلص من الأنانية وحب الذات ، ولايمكن للدولة أن تحقق التقدم والازدهار إلا إذا عملت في إطار فريق جماعي ، فمن خلال العمل داخل فريق يمكن تحقيق ديمقراطية التعلم وديمقراطية التعليم 00
2- تفعيل دور الجماعات : من الآليات الأخرى لتحقيق ديمقراطية التعلم وخلق مواطن صالح وشخصية متوازنة سوية سيكولوجيا واجتماعيا لابد من الحديث عن ديناميكية الجماعات باعتبارها منهجية مهمة في علاج الكثير من الظواهر النفسية الشعورية واللاشعورية لدى المتعلم، كما أنها عملية تنشيطية هامة يمكن الاستعانة بها أثناء العملية التعليمية، وطريقة فعالة في التنشيط التربوي والفني وإجراء منهجي للتحكم في التنظيم الذاتي للمؤسسة التعليمية ولايمكن للتلميذ أن يبدع إلا داخل جماعة ديمقراطية تؤمن بالأخوة والتنافس الشريف، وتتشبث بفكر الاختلاف والشورى والعدالة، وتعتز بقانون الحقوق والواجبات ، ولابد أن يكون للجماعة أيضا قائد يوزع الأدوار، ويشرف على تنظيم الجماعة ، ويسهر على تنظيمها ومآلها ويتحمل مسؤولياتها الجسيمة يختار بطريقة انتخابية ديمقراطية يتولى السلطة لفترة معينة ليتولاها قائد ديمقراطي آخر00
3- تفعيل النشاط التربوي: من المعلوم أن للنشاط أهمية كبرى في مجال التربية والتعليم لكونه يرفع من المردود الثقافي والتحصيلي لدى التلاميذ ويساهم في الحد من السلوكيات العدوانية والقضاء على التصرفات الشائنة لدى المتعلمين، كما يقلل من هيمنة اسلوب الإلقاء والتلقين، ويعمل على خلق روح الإبداع والميل نحو المشاركة الجماعية والاشتغال في فريق تربوي. ويمكن عبر عملية التنشيط الفردي والجماعي إخراج المؤسسة التعليمية من طابعها الجامد القاتم القائم على الانضباط والالتزام والتأديب والعقاب إلى مؤسسة إيجابية فعالة صالحة ومواطنة يحس فيها التلاميذ والمدرسون بالسعادة والطمأنينة والمودة والمحبة ، ويساهم الكل فيها بشكل جماعي في بنائها ذهنيا ووجدانيا وحركيا عن طريق خلق الأنشطة الأدبية والفنية والعلمية والتقنية والرياضية، يندمج فيها التلاميذ والأساتذة ورجال الإدارة وجمعيات الآباء ومجلس التدبير والمجتمع المدني00
4- تفعيل الكفاءات : من أهم الآليات التطبيقية لتحقيق ديمقراطية التعلم وتفعيل التربية الديمقراطية هو تكوين الكفاءات الوطنية في ظل نظام تربوي سليم يؤمن بالجودة الكمية والكيفية ، ويستهدي بمنطق الاختلاف والتعددية ، كما يقدر أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية ، ويثني على ذوي القدرات المتميزة والمهارات المتخصصة ويشيد بأصحاب المواهب العلمية والفنية والأدبية والتقنية ، ولن يتم هذا إلا بمدرسة إبداعية تعتمد على الابتكار وخلق القدرات المندمجة لدى التلميذ، وتغرس فيه قيم الابتكار والإبداع والانفتاح والحوار والتعلم الذاتي والاشتغال في فرق تربوية وعمل جماعي مثمر.
5- انتهاج فلسفة المشاركة والجماعية : وهى التي يساهم فيها جميع الفاعلين الذين يساهمون في تدبير المؤسسة وتسييرها وتنشيطها والإشراف عليها من مدرسين وأساتذة ومتعلمين ورجال الإدارة ومشرفين تربويين وأسر التلاميذ ومجلس التدبير داخل المؤسسة.
6- التربية على حقوق الإنسان والمواطنة: تعد التربية على حقوق الإنسان والمواطنة من أهم الآليات لتفعيل الديمقراطية الحقيقية ، فتعريف المتعلم بحقوقه وواجباته تجعله يعرف ماله وما عليه ، وتدفعه للتحلي بروح المواطنة والتسامح والتعايش مع الآخرين مع نبذ الإرهاب والإقصاء والتطرف ، ويعني كل هذا أن تعليم النشء ثقافة حقوق الإنسان من أهم السبل الحقيقية لتفعيل الديمقراطية المجتمعية والتربوية.
7- تفعيل الحياة المدرسية: تعمل الحياة المدرسية على خلق مجتمع ديمقراطي منفتح وواع ومزدهر داخل المؤسسات التعليمية والفضاءات التربوية ، وتقوم أيضا على إذابة الصراع الشعوري واللاشعوري والقضاء على الفوارق الطبقية والحد من كل أسباب تأجيج الصراع وتنامي الحقد الاجتماعي ، خاصة وأن الحياة المدرسية هي مؤسسة تربوية تعليمية نشيطة فاعلة وفعالة تعمل على ربط المؤسسة بالمجتمع وتوفر حياة مفعمة بالسعادة والأمل والطمأنينة والسعادة، وتحقق الأمان والحرية الحقيقية للجميع وتسعى إلى تكريس ثقافة المواطنة الصالحة في إطار احترام حقوق المتعلم/ الإنسان داخل المؤسسة وتطبيق المساواة الحقيقية وإرساء قانون العدالة وفتح باب مبدإ تكافؤ الفرص على مصراعيه أمام الجميع بدون تمييز طبقي أو اجتماعي، فالكل أمام القانون سواسية كأسنان المشط الواحد.
ولم يعد يخفى أيضا على أحد كون المؤسسة التعليمية تلعب دورا رئيسيا ، انطلاقا من انفتاحها على الحياة السياسية للمجتمع في ترسيخ مجموعة من المبادئ والقيم الكفيلة بالنهوض بالمجتمع وبتحديثه سياسيا ؛ فدور المدرسة لم يعد يقتصر على محيطها الداخلي بل يتعداه إلى جوانب قد تبدو للشخص العادي بعيدة عنها لكنها في الواقع هي تربتها الأصيلة لأن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية، كلها قيم تكتسب بفعل التربية ومناهجها؛ فتنشئة الأفراد على تلك القيم هو السبيل الصحيح للوصول إلى حد المشاركة الفعلية في تسيير شؤون السياسة للمجتمع بنوع من العقلانية والتنظيم وبعيدا عن الارتجالية ، ولكى تقوم المدرسة بدورها فى تحقيق الديموقراطية لابد من توفر لها العديد من المقومات والعوامل التى تمكنها من القيام بدورها ومن هذه المقومات :
1. تحديث مناهج التعليم: وتطويرها باتجاه فَتْح مضامينها على ثقافة حقوق الإنسان ، وعلى تكريس قيم التسامح ، والمشاركة ، واحترام الغير، ونبذ العنف ، والاعتراف بالحق في التنوع والاختلاف، وإيثار الروح الجماعية والمصلحة العامة بدل الأنانية والتطرف والانغلاق وحضور هذه المفاهيم في مناهج التعليم ، وإدماجها بِشَكل ممنهج في إطار "ثقافة مدرسية" يفترض تعميمها على كافة المواطنين ، أو على أكبر قدر ممكن منهم على الأقل في الظروف الراهنة ، إن هذا الواقع يبرز أننا ما زلنا في حاجة إلى المزيد من الجهود لإصلاح وتجديد هذه المناهج لجعلها أكثر تجاوبا مع مقتضيات الديمقراطية وقادرة على المساهمة في بنائها بشكل عقلاني واضح الأهداف والتوجهات واستراتيجيات الفعل والتطبيق00.
2. إعادة التأهيل الديمقراطي للمؤسسة التربوية عن طريق اعادة النظر فى توزيع السلطات ، وأنماط التقويم والتوجيه والجزاءات ، وفرص المشاركة والمبادرة واللامركزية ، وأساليب اتخاذ القرار الفردي أو الجماعي وتدبير مختلف العلاقات والتبادلات والممارسات وجعلها مكرسة لقيم التعاون والسلم ، نابِذةً للتسلُّط والعُنف بأشكاله المادية والرمزية وان تقوم فلسفتها على احترام آليات واساليب التدابير الديمقراطية ، ومن جهة أخرى على نسق قيمي ثقافي مؤَصَّل في سياقه الاجتماعي والتربوي ومنفتح على مقومات الديمقراطية والحداثة والتنمية البشرية والاجتماعية الشاملة00
3. تعزيز دور مختلف المؤسسات الاجتماعية الموازية للمدرسة ، مثل النوادي ، والجمعيات ، والنقابات ، والاحزاب ، ووسائل الإعلام والاتصال والتواصل ، فهذه الجهات عبر قيامها بمهامّها الأساسية تؤدي وظائف تربوية وثقافية متعددة ، ومن هنا تبدو أهمية استثمارها في نشر وتعميم كل ما من شأنه أن يدعم المسار الديمقراطي في المجتمع ، ليس في البعد الثقافي فقط وإنما في بعده العملي، أي كممارسات وعلاقات اجتماعية ملموسة معززة لبناء مجتمع مدني حي وفاعل00
4. ضرورة مراجعة نقدية متعددة الأبعاد لمجمل المفاهيم والنماذج والنظريات والأطر المرجعية المتعلقة بالديمقراطية ، مفهوما وتجارب عينية والعمل على تأصيلها ووضعها على مسار الديمقراطية والحداثة والتنمية 00
وعموما أن التربية ترتبط ارتباطا وثيقا بالديمقراطية ، فلا يمكن الحديث عن تربية حقيقية إلا في مجتمع ديمقراطي يؤمن بحقوق الإنسان وحرياته الخاصة والعامة، ويؤمن أيضا بالتعدد اللغوي والطائفي والحزبي والعرقي ، ولا تتحقق الديمقراطية في المجتمع إلا إذا لقنت ثقافة التحرر والاعتراف بالآخر للمتعلمين في مدارسهم على ضوء مختلف المقاربات سواء أكانت قانونية أم ثقافية أم اجتماعية أم أدبية أم علمية 00
ومن هنا، لابد أن يتعود الطفل على السلوك الديمقراطي في أسرته منذ نعومة أظافره ليرتمي في أحضان المدرسة في جو مفعم بالحرية والسعادة والأمل والتفاؤل ريثما ينتقل إلى أحضان المجتمع ليطبق ما تشربه من قيم ديمقراطية عادلة سلوكا وتمثلا وعملا.
رغم ان تطبيق الديمقراطية في نظامنا التربوي والتعليمي يواجه صعوبات جمة مثل: التخلف والبيروقراطية والجهل وغياب حقوق الإنسان وغياب المواطنة الحقيقية وإقصاء الكفاءات العاملة ناهيك عن التعامل بالغش من أجل تحقيق المصالح الشخصية والمآرب النفعية، والتفريط في مقوماتنا الحضارية ومبادئنا الدينية ، وتبديد ثرواتنا سفها وتبذيرا، وتهجير طاقاتنا العلمية والأدمغة المتنورة إلى الخارج أو التخلص منها الا انه من الممكن المضى قدما فى تقوية الترابط بين التربية والديموقراطية على الصعوبات والمشاكل والعراقيل التي ذكرناها سالفا مع التسلح بالإيمان والتقوى والصبر والتجلد، والتحلي بروح العمل والمواطنة الصالحة، والتعايش مع الآخرين انفتاحا وتعاونا وتعايشا وتسامحا.
صلاح مصطفى على بيومى
مدير ادارة تنسيق وظائف التعليم الفنى
مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء
فالديمقراطية تقوم على احترام القانون والحق والحرية والعدالة والكرامة الإنسانية والاحتكام إلى مبادئ حقوق الإنسان وإرساء المساواة الحقيقية بين الأجناس في الحقوق والواجبات ، ومن أهم أسسها الالتزام بالمسؤولية واحترام النظام وترجيح كفة المعرفة على القوة والعنف ، اما التربية هى كل فعل تربوي يهدف إلى تنشئة المتعلم تنشئة اجتماعية صحيحة وسليمة ، وتساهم فى الحفاظ على قيم المجتمع وعاداته وتقاليده وتسعى جادة لتكوين المواطن الصالح ، و تهدف كذلك إلى احداث تغيير فى المجتمع والدفع به نحو طريق التقدم والازدهار عبر تحقيق الديمقراطية والعدالة الاجتماعية والمساواة المثلى وهي التي تقوم بصياغة المجتمع صياغة أخلاقية وترفع من مكانته وتوصله إلى مصاف الدول المتقدمة والمزدهرة ، كما انها تسعى بشكل جاد إلى إدماج الفرد في المجتمع تكيفا وتأقلما وتصالحا وتغييرا، كما تسعى إلى تكوين أفراد قادرين على الاستقلال الفكري والأخلاقي ويحترمون هذا الاستقلال لدى الآخرين كما انها تحقق مجموعة من الوظائف الجوهرية كالتعليم والتثقيف والتطهير والتهذيب والتنوير وتحرير الفكر من قيود الأسطورة والخرافة والشعوذة والسمو بالإنسان نحو آفاق إيجابية ومثالية00
ومن هنا فالتربية والديمقراطية متلازمان كالعملة النقدية فلا تربية بلا ديمقراطية ولا ديمقراطية بلا تربية ، وما أحوجنا اليوم إلى تربية ديمقراطية في وطننا من أجل تأهيل ابنائنا تأهيلا أخلاقيا وديمقراطيا لإدارة دفة البلاد وقيادة دواليبها على ضوء رؤية إبداعية ديمقراطية قائمة على أسس النظام والمسؤولية والانضباط والمواطنة الحقيقية ، فلا يمكن للمؤسسة التربوية الإسهام بفاعلية في ترسيخ منظومة القيم الأخلاقية والعلمية والتفكير الواعي، والنقدي ، والجدلي، بمعزل عن بيئة تربوية ديمقراطية 00
والمثير للأسف أن مدرستنا اليوم تفتقر الى هذه المساحة الديموقراطية ، فالغالب عليها انها تقوم فى اغلب الممارسات على أساس التسلط من قمة الهرم التربوي إلى قاعدته المقهورة ، فنلاحظ اللهجة الآمرة جليةً في آلية تعامل الوزارة مع المديريات ، والأخيرة مع المديرين، والمديرون مع المعلمين ، تكرس الطاعة العمياء على الفئة المستهدفة ، كل حسب موقعه من جانب ، وتقوض أية فرصة لخلق مناخ حواري مع المتعلمين من جانب آخر، فالمعلم بناءً على الامتثال والسكون في هذا الجو الاستبدادي يحاول تأكيد سلطته على الطلبة ، ابتداءً من إجبارهم على ارتداء الزيّ الموحد، وصولاً إلى الأساليب القسرية لاستيعاب المادة التعليمية وفي النتيجة النهائية يصبح الطالب واقعاً تحت نظام وصاية لسلطات مختلفة ، ومن البديهي أن يعلن الانتفاضة والعصيان لاستعادة حريته واستقلاله حتى لو وصل به الأمر إلى ترك المدرسة والالتحاق بسوق العمل ويصبح التعليم في حياته لا يعدو إلا قشوراً سرعان ما تنهار على محك التجارب الحياتية ، والسبب في ذلك راجع لطريقة التعليم القهري التي حُيّد فيها دور العقل وهذه نتيجة حتمية لأي نظام يبنى على سياسة التلويح بالعصا والخوف والرعب وسلب الحريات مهما اختلفت أهدافه وتوجهاته ففي مثل هذه الظروف المرعبة وتتكون ظاهرة العصيان والتمرد التي يبديها الطلبة اتجاه المعلم والإدارة نتيجة لفقدان الحوار والحرية في أساليبنا التربوية ، من هنا كانت الدعوة الى تأكيد الترابط الوثيق بين الديموقراطية والتربية للمبررات التالية :
- الحاجة للمزيد من توسيع دائرة الفرص التربوية والاجتماعية المتكافئة ، وتعميم ديمقراطيتها ، بَدْءاً من شروط الالتحاق بالمدارس ، إلى الاستثمار الرشيد لمخرجات النظام التربوي عبر اندماجها الممنهج في النظام الإنتاجي والاجتماعي العام وذلك لضمان الاستفادة المستمرة والمتجددة من حقوق التربية والتعليم والتكوين والاندماج بالنسبة لكافة المواطنين00
2- الحاجة الماسة والضرورية للربط بين التخطيط التربوي والتخطيط الاجتماعي الشامل القائم على استراتيجية للتنمية الهادفة لتحقيق حاجات الأفراد والجماعات داخل المجتمع والتى يستببعها تغيير النظام التربوي القائم بالانتقال به من مجرد مقدم خدمة لتكون واقع طبيعي ومساهما بقدر كبير فى تحقيق الديموقراطية بالمجتمع 00
3- العمل على تزويد النظام التربوي بما يلزمه من آليات ومقومات التحرر ، واستقلالية اتخاذ القرار، والمبادرة ، والانفتاح وهذا يتطلب إعادة تأهيل وإصلاح المكونات اللازمة لتحقيق هذه الإهداف لإخراج النظام التربوي من الظروف الراهنة من أوضاع التبعية وسوء التخطيط وفقد آليات التنفيذ 00
4- التركيز على التنمية البشرية والتى تعنى تكوين المواطن الذي هو محور العملية الديمقراطية وهدفها في إطار رُؤْية شاملة للإنسان بمختلف أبعاده الاقتصادية والمادية والروحية والقيمية المتناغمة في إطار مشروع متكامل لـ "التنمية البشرية" لكونها الأرضية الملائمة لاستكمال وتعزيز مهام التحول الديمقراطي في مجتمعنا ، ذلك أن الإنسان الذي هو محور العملية التربوية هو محور كل الديمقراطية والتنمية منطلقا وإنجازا وغايات ونتائج ، ولذا لأن الاستثمار في الرأسمال البشري أرقى وأثمن أنواع الاستثمارات كلها ، لأنه العنصر المستثمِرُ بدوره في بقية العناصر الأخرى مهما كانت قيمتها، بما في ذلك قدرته ـ متى أُعِدَّ لذلك ـ على الاستثمار المجزي في ذاته هو أيضا00
5- ضمان التوزيع العادل لأهداف التربية والتعليم على كل أفراد المجتمع باختلاف طبقاته وبشكل يضمن مساهمتها الفاعلة في تعزيز وتحقيق التنمية الشاملة بشريا واجتماعيا ، لأن المجتمع الذى تسود فيه الأمية ، والفقر، والبطالة ، وتعطيل الكفاءات المؤهلة والهجرة العشوائية المغامِرة ، وهجرة أو تهجير العقول وهدر الطاقات البشرية المختلفة لا يمكن توقع أي انتقال ديمقراطي كالذي ننشده ، وإنما توقع الكثير من المصاعب المتراكمة والإعاقات أمام التنمية ، ومزيد من التخلف والتبعية إلى مراكز القوى المهيمنة على الصعيد العالمي 00
6- الحاجة المتزايدة للتأكيد على ان التربية أساسا قويا للتنمية والتحديث ضمن فلسفة تربوية واجتماعية شمولية متكاملة الأهداف والمكونات وبذلك يمكن أن نبني الديموقراطية على أرضية تضمن نموها وتكفل استمرارها واستمرارية التنمية الاجتماعية الشاملة.
7- الحاجة للأخذ بأساليب التربوية الحديثة فى التربية والتعليم والبعد عن التعليم التقليدي الذي يحمل الكثير من المساوئ منها :
• ينتج أفراد غير قادرين على المشاركة الايجابية بالمجتمع, مستبدين بآرائهم أنانين 00
• يكتسب بفيه الطالب سمة الخضوع كوسيلة مفيدة لتحقيق أهدافه وذلك خوفا من أي ردة فعل سلبية من الأخر, والتي ستستمر معه إلى أن يصبح مواطن بالغ 00
• يخلق اضطرابات في شخصية الطالب نتيجة كبته لمشاعره ورغباته 00 ت
• يؤدى إلى اضطرابات نفسية فعدم مقدرة الفرد في التعبير عن رأيه وكبت رغباته00
• يؤدى إلى اضطرا بات جسمية وهى اضطرا بات بدنية تنشأ من عوامل نفسية00
• يساهم في تربية الطلبة على التنافس والعدوان بدل التعاون والمسالمة فيساعد على تفشى ظاهرة العنف العدوان بين الطلبة في المراحل الدراسية المتقدمة كنتيجة من نتائج الكبت00
8- أهمية التربية الديمقراطية القصوى بالنسبة للطالب حيث تنبع أهميتها في العملية التعليمية من خلال تنمية شخصية الطالب وإعطاءه القدرة على إبداء الرأي والمناقشة واتخاذ القرار, حل المشكلات , مشاركة الآخرين واحترام آراء و حقوق الغير, تغليب المصلحة العامة علي الأهواء الشخصية, القيادة, تهيئة الفرصة أمامه تنمية أقصى حد من استعداداته وقدراته الشخصية.
وتتخذ الديمواقرطية التربوية أساليب ثلاثه فى منظومة التربية والتعليم منها :
أولا " ديمقراطية التعلم : وتعنى أن يكون التعليم منصبا على المتعلم الذي ينبغي أن يستفيد الجميع من برامج التعليم واهدافه بشكل متساو وفى إطار تكافؤ الفرص. ومن هنا، يستوجب الأمر على المربين أن يقدموا للمتعلمين الدعم لكي ينالوا حقهم من التربية والتعليم بشكل متساو ، بالأضافة إلى ذلك أنه من الضروري أن تقدم البرامج والمناهج والمقررات الدراسية مادة قانونية موسعة تؤهل التلميذ ليتعرف على حقوقه وواجباته لكي يكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع ذاته وأقرانه00
ثانيا : ديمقراطية التعليم : وتعنى ان التعليم هو الذي يغير المجتمع ويحقق الديمقراطية الحقيقية ، كما أن المتعلم يتعلم الديمقراطية داخل المدارس والمؤسسات التربوية ويتربى في أجوائها المفعمة بالحرية ، وأن تسعى الدولة جادة وجاهدة لتثبيت أجواء الديمقراطية في مؤسساتها التربوية عن طريق إصدار مجموعة من المذكرات الوزارية والقرارات الحكومية والقوانين المنظمة ليتبوأ التعليم مكانة زاهية في مجتمع ديمقراطي 00
ثالثا تعليم الديمقراطية: وتعنى أن المجتمع لايمكن أن يكون ديمقراطيا يؤمن بالحريات الخاصة والعامة وحقوق الإنسان ويتشبث بمنطق الاختلاف وشرعية الحوار والتسامح إلا إذا تربى على الديمقراطية الحقيقية سلوكا وعملا وتطبيقا ، ولا يتأتى له ذلك إلا في المدرسة التي تعلم النشء مبادئ الديمقراطية السليمة وقوانين استعمالها ومعايير تمثلها وتطبيقها ، فبالتربية نتعلم الديمقراطية ونتمثلها شعارا وعقيدة ومبدأ وسلوكا00
آليات تحقيق الديمقراطية في مجال التربية:
هناك مجموعة من الآليات التطبيقية التي نتمكن من خلالها وبواسطتها تحقيق الديمقراطية بنجاح داخل مؤسساتنا التربوية بقصد نقلها بعد ذلك إلى المجتمع من خلال دفع المتعلم ليكون ديمقراطيا في تصرفاته وسلوكياته مع كل أفراد أسرته ومجتمعه ووطنه وأمته بدون استثناء00 ويمكن حصر هذه الآليات الإجرائية والعملية في التقنيات والمبادئ التالية:
1- العمل الجماعى : يعد العمل من أهم الآليات لتحقيق الديمقراطية التربوية الحقيقية ؛ لأن الاشتغال في فريق تربوي داخل جماعة معينة يساعد التلميذ على التفتح والنمو واكتساب المعارف والتجارب لدى الغير، كما يبعده عن كثير من التصرفات الشائنة ويجنبه أيضا الصفات السلبية كالانكماش والانعزالية والانطواء والإحساس بالخوف والنقص والدونية ويساعده على التخلص من الأنانية وحب الذات ، ولايمكن للدولة أن تحقق التقدم والازدهار إلا إذا عملت في إطار فريق جماعي ، فمن خلال العمل داخل فريق يمكن تحقيق ديمقراطية التعلم وديمقراطية التعليم 00
2- تفعيل دور الجماعات : من الآليات الأخرى لتحقيق ديمقراطية التعلم وخلق مواطن صالح وشخصية متوازنة سوية سيكولوجيا واجتماعيا لابد من الحديث عن ديناميكية الجماعات باعتبارها منهجية مهمة في علاج الكثير من الظواهر النفسية الشعورية واللاشعورية لدى المتعلم، كما أنها عملية تنشيطية هامة يمكن الاستعانة بها أثناء العملية التعليمية، وطريقة فعالة في التنشيط التربوي والفني وإجراء منهجي للتحكم في التنظيم الذاتي للمؤسسة التعليمية ولايمكن للتلميذ أن يبدع إلا داخل جماعة ديمقراطية تؤمن بالأخوة والتنافس الشريف، وتتشبث بفكر الاختلاف والشورى والعدالة، وتعتز بقانون الحقوق والواجبات ، ولابد أن يكون للجماعة أيضا قائد يوزع الأدوار، ويشرف على تنظيم الجماعة ، ويسهر على تنظيمها ومآلها ويتحمل مسؤولياتها الجسيمة يختار بطريقة انتخابية ديمقراطية يتولى السلطة لفترة معينة ليتولاها قائد ديمقراطي آخر00
3- تفعيل النشاط التربوي: من المعلوم أن للنشاط أهمية كبرى في مجال التربية والتعليم لكونه يرفع من المردود الثقافي والتحصيلي لدى التلاميذ ويساهم في الحد من السلوكيات العدوانية والقضاء على التصرفات الشائنة لدى المتعلمين، كما يقلل من هيمنة اسلوب الإلقاء والتلقين، ويعمل على خلق روح الإبداع والميل نحو المشاركة الجماعية والاشتغال في فريق تربوي. ويمكن عبر عملية التنشيط الفردي والجماعي إخراج المؤسسة التعليمية من طابعها الجامد القاتم القائم على الانضباط والالتزام والتأديب والعقاب إلى مؤسسة إيجابية فعالة صالحة ومواطنة يحس فيها التلاميذ والمدرسون بالسعادة والطمأنينة والمودة والمحبة ، ويساهم الكل فيها بشكل جماعي في بنائها ذهنيا ووجدانيا وحركيا عن طريق خلق الأنشطة الأدبية والفنية والعلمية والتقنية والرياضية، يندمج فيها التلاميذ والأساتذة ورجال الإدارة وجمعيات الآباء ومجلس التدبير والمجتمع المدني00
4- تفعيل الكفاءات : من أهم الآليات التطبيقية لتحقيق ديمقراطية التعلم وتفعيل التربية الديمقراطية هو تكوين الكفاءات الوطنية في ظل نظام تربوي سليم يؤمن بالجودة الكمية والكيفية ، ويستهدي بمنطق الاختلاف والتعددية ، كما يقدر أصحاب الكفاءات العلمية والمهنية ، ويثني على ذوي القدرات المتميزة والمهارات المتخصصة ويشيد بأصحاب المواهب العلمية والفنية والأدبية والتقنية ، ولن يتم هذا إلا بمدرسة إبداعية تعتمد على الابتكار وخلق القدرات المندمجة لدى التلميذ، وتغرس فيه قيم الابتكار والإبداع والانفتاح والحوار والتعلم الذاتي والاشتغال في فرق تربوية وعمل جماعي مثمر.
5- انتهاج فلسفة المشاركة والجماعية : وهى التي يساهم فيها جميع الفاعلين الذين يساهمون في تدبير المؤسسة وتسييرها وتنشيطها والإشراف عليها من مدرسين وأساتذة ومتعلمين ورجال الإدارة ومشرفين تربويين وأسر التلاميذ ومجلس التدبير داخل المؤسسة.
6- التربية على حقوق الإنسان والمواطنة: تعد التربية على حقوق الإنسان والمواطنة من أهم الآليات لتفعيل الديمقراطية الحقيقية ، فتعريف المتعلم بحقوقه وواجباته تجعله يعرف ماله وما عليه ، وتدفعه للتحلي بروح المواطنة والتسامح والتعايش مع الآخرين مع نبذ الإرهاب والإقصاء والتطرف ، ويعني كل هذا أن تعليم النشء ثقافة حقوق الإنسان من أهم السبل الحقيقية لتفعيل الديمقراطية المجتمعية والتربوية.
7- تفعيل الحياة المدرسية: تعمل الحياة المدرسية على خلق مجتمع ديمقراطي منفتح وواع ومزدهر داخل المؤسسات التعليمية والفضاءات التربوية ، وتقوم أيضا على إذابة الصراع الشعوري واللاشعوري والقضاء على الفوارق الطبقية والحد من كل أسباب تأجيج الصراع وتنامي الحقد الاجتماعي ، خاصة وأن الحياة المدرسية هي مؤسسة تربوية تعليمية نشيطة فاعلة وفعالة تعمل على ربط المؤسسة بالمجتمع وتوفر حياة مفعمة بالسعادة والأمل والطمأنينة والسعادة، وتحقق الأمان والحرية الحقيقية للجميع وتسعى إلى تكريس ثقافة المواطنة الصالحة في إطار احترام حقوق المتعلم/ الإنسان داخل المؤسسة وتطبيق المساواة الحقيقية وإرساء قانون العدالة وفتح باب مبدإ تكافؤ الفرص على مصراعيه أمام الجميع بدون تمييز طبقي أو اجتماعي، فالكل أمام القانون سواسية كأسنان المشط الواحد.
ولم يعد يخفى أيضا على أحد كون المؤسسة التعليمية تلعب دورا رئيسيا ، انطلاقا من انفتاحها على الحياة السياسية للمجتمع في ترسيخ مجموعة من المبادئ والقيم الكفيلة بالنهوض بالمجتمع وبتحديثه سياسيا ؛ فدور المدرسة لم يعد يقتصر على محيطها الداخلي بل يتعداه إلى جوانب قد تبدو للشخص العادي بعيدة عنها لكنها في الواقع هي تربتها الأصيلة لأن مبادئ الديمقراطية وحقوق الإنسان والتعددية السياسية، كلها قيم تكتسب بفعل التربية ومناهجها؛ فتنشئة الأفراد على تلك القيم هو السبيل الصحيح للوصول إلى حد المشاركة الفعلية في تسيير شؤون السياسة للمجتمع بنوع من العقلانية والتنظيم وبعيدا عن الارتجالية ، ولكى تقوم المدرسة بدورها فى تحقيق الديموقراطية لابد من توفر لها العديد من المقومات والعوامل التى تمكنها من القيام بدورها ومن هذه المقومات :
1. تحديث مناهج التعليم: وتطويرها باتجاه فَتْح مضامينها على ثقافة حقوق الإنسان ، وعلى تكريس قيم التسامح ، والمشاركة ، واحترام الغير، ونبذ العنف ، والاعتراف بالحق في التنوع والاختلاف، وإيثار الروح الجماعية والمصلحة العامة بدل الأنانية والتطرف والانغلاق وحضور هذه المفاهيم في مناهج التعليم ، وإدماجها بِشَكل ممنهج في إطار "ثقافة مدرسية" يفترض تعميمها على كافة المواطنين ، أو على أكبر قدر ممكن منهم على الأقل في الظروف الراهنة ، إن هذا الواقع يبرز أننا ما زلنا في حاجة إلى المزيد من الجهود لإصلاح وتجديد هذه المناهج لجعلها أكثر تجاوبا مع مقتضيات الديمقراطية وقادرة على المساهمة في بنائها بشكل عقلاني واضح الأهداف والتوجهات واستراتيجيات الفعل والتطبيق00.
2. إعادة التأهيل الديمقراطي للمؤسسة التربوية عن طريق اعادة النظر فى توزيع السلطات ، وأنماط التقويم والتوجيه والجزاءات ، وفرص المشاركة والمبادرة واللامركزية ، وأساليب اتخاذ القرار الفردي أو الجماعي وتدبير مختلف العلاقات والتبادلات والممارسات وجعلها مكرسة لقيم التعاون والسلم ، نابِذةً للتسلُّط والعُنف بأشكاله المادية والرمزية وان تقوم فلسفتها على احترام آليات واساليب التدابير الديمقراطية ، ومن جهة أخرى على نسق قيمي ثقافي مؤَصَّل في سياقه الاجتماعي والتربوي ومنفتح على مقومات الديمقراطية والحداثة والتنمية البشرية والاجتماعية الشاملة00
3. تعزيز دور مختلف المؤسسات الاجتماعية الموازية للمدرسة ، مثل النوادي ، والجمعيات ، والنقابات ، والاحزاب ، ووسائل الإعلام والاتصال والتواصل ، فهذه الجهات عبر قيامها بمهامّها الأساسية تؤدي وظائف تربوية وثقافية متعددة ، ومن هنا تبدو أهمية استثمارها في نشر وتعميم كل ما من شأنه أن يدعم المسار الديمقراطي في المجتمع ، ليس في البعد الثقافي فقط وإنما في بعده العملي، أي كممارسات وعلاقات اجتماعية ملموسة معززة لبناء مجتمع مدني حي وفاعل00
4. ضرورة مراجعة نقدية متعددة الأبعاد لمجمل المفاهيم والنماذج والنظريات والأطر المرجعية المتعلقة بالديمقراطية ، مفهوما وتجارب عينية والعمل على تأصيلها ووضعها على مسار الديمقراطية والحداثة والتنمية 00
وعموما أن التربية ترتبط ارتباطا وثيقا بالديمقراطية ، فلا يمكن الحديث عن تربية حقيقية إلا في مجتمع ديمقراطي يؤمن بحقوق الإنسان وحرياته الخاصة والعامة، ويؤمن أيضا بالتعدد اللغوي والطائفي والحزبي والعرقي ، ولا تتحقق الديمقراطية في المجتمع إلا إذا لقنت ثقافة التحرر والاعتراف بالآخر للمتعلمين في مدارسهم على ضوء مختلف المقاربات سواء أكانت قانونية أم ثقافية أم اجتماعية أم أدبية أم علمية 00
ومن هنا، لابد أن يتعود الطفل على السلوك الديمقراطي في أسرته منذ نعومة أظافره ليرتمي في أحضان المدرسة في جو مفعم بالحرية والسعادة والأمل والتفاؤل ريثما ينتقل إلى أحضان المجتمع ليطبق ما تشربه من قيم ديمقراطية عادلة سلوكا وتمثلا وعملا.
رغم ان تطبيق الديمقراطية في نظامنا التربوي والتعليمي يواجه صعوبات جمة مثل: التخلف والبيروقراطية والجهل وغياب حقوق الإنسان وغياب المواطنة الحقيقية وإقصاء الكفاءات العاملة ناهيك عن التعامل بالغش من أجل تحقيق المصالح الشخصية والمآرب النفعية، والتفريط في مقوماتنا الحضارية ومبادئنا الدينية ، وتبديد ثرواتنا سفها وتبذيرا، وتهجير طاقاتنا العلمية والأدمغة المتنورة إلى الخارج أو التخلص منها الا انه من الممكن المضى قدما فى تقوية الترابط بين التربية والديموقراطية على الصعوبات والمشاكل والعراقيل التي ذكرناها سالفا مع التسلح بالإيمان والتقوى والصبر والتجلد، والتحلي بروح العمل والمواطنة الصالحة، والتعايش مع الآخرين انفتاحا وتعاونا وتعايشا وتسامحا.
صلاح مصطفى على بيومى
مدير ادارة تنسيق وظائف التعليم الفنى
مديرية التربية والتعليم بشمال سيناء